اعتقال أكرم إمام أوغلو: هل تشهد تركيا لحظة سياسية مفصلية؟

أكرم إمام أوغلو

تحت الأضواء من جديد، تعود إسطنبول إلى الواجهة مع اعتقال أحد أبرز الشخصيات المعارضة في تركيا، وهو أكرم إمام أوغلو، مما أثار احتجاجات في الشارع التركي وأدخل الساحة السياسية في مرحلة جديدة. وبينما تتبادل السلطات والمعارضة الاتهامات، يظل السؤال قائماً: ما الذي حدث بالفعل؟ ولماذا الآن؟ وهل تمر تركيا بلحظة سياسية مفصلية؟

من هو أكرم إمام أوغلو؟

أكرم إمام أوغلو هو سياسي تركي بارز ولد عام 1970 في مدينة طرابزون الواقعة على ساحل البحر الأسود. تخرج من جامعة إسطنبول في تخصص إدارة الأعمال وبدأ مسيرته السياسية من العمل البلدي، لكنه سرعان ما انتقل إلى دائرة الأضواء عندما ترشح عن حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية إسطنبول. تمكن من الفوز بها في انتخابات عام 2019، وأعيد انتخابه بعد إلغاء النتائج الأولى. كما سبق له أن فاز برئاسة منطقة بيليك دوزو في إسطنبول، ثم جدد فوزه في انتخابات البلدية عام 2024.

يُعتبر فوزه مفصلياً في السياسة التركية، نظراً لأهمية إسطنبول الرمزية والسياسية، وكونها المدينة التي انطلق منها الرئيس رجب طيب أردوغان نحو المشهد السياسي الوطني. ومنذ فوزه، برز إمام أوغلو كأحد أهم الشخصيات السياسية المعارضة، حتى بات يُطرح اسمه كأوفر المرشحين حظاً لمنافسة أردوغان على كرسي الحكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة بعد خسارة مرشح المعارضة السابق كمال كليتشدار أوغلو أمام أردوغان في الانتخابات الماضية.

ما هي التهم الموجهة إلى إمام أوغلو؟

في يوم 19 مارس 2025، أعلنت النيابة العامة في إسطنبول اعتقال إمام أوغلو وعدداً من المسؤولين في بلدية إسطنبول الكبرى، إضافة إلى رجال أعمال، بتهم متنوعة تشمل:

  • تشكيل وقيادة جماعة إجرامية.
  • ارتكاب جرائم فساد تشمل الرشوة والاحتيال واستغلال النفوذ.
  • تقديم دعم غير مباشر لمنظمة محظورة بموجب القانون التركي، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
  • قضية شهادته الجامعية، التي أعلنت جامعة إسطنبول أنها غير صالحة.

من القضايا التي وردت في التحقيقات مشروع “التوافق الحضري”، الذي تدّعي السلطات أنه استُخدم كغطاء لتمرير عقود إلى شركات ذات صلة بأطراف سياسية وحزبية، بعيداً عن قواعد الشفافية والمناقصات، مما يُعتبر فساداً داخل المؤسسة.

ردود الفعل المحلية والدولية

سارع حزب الشعب الجمهوري إلى رفض ما وصفه بمحاولة تصفية خصم سياسي. وأكد رئيس الحزب، أوزجور أوزيل، أن القضية ليست قانونية بقدر ما هي سياسية، وأن التهم تفتقر إلى الأدلة القاطعة. في المقابل، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن السلطات القضائية تقوم بواجبها، وأن الأدلة التي بحوزة النيابة واضحة وجدية. كما نفى أن يكون له أو لتحالفه أي دور في اعتقال إمام أوغلو، مشيراً إلى أن الشكاوى خرجت من داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه، واصفاً إياها بعملية تصفية داخلية.

على الرغم من دعوات الأحزاب المعارضة إلى التهدئة والحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات، استمرت المظاهرات في عدة مدن تركية، خاصة إسطنبول، حيث تجمّع الآلاف أمام مبنى البلدية مطالبين بإطلاق سراح إمام أوغلو. ولم تخلُ هذه الاحتجاجات من المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة، خاصة عند استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق التجمعات غير المرخصة.

دولياً، لاقى اعتقال إمام أوغلو اهتماماً واسعاً من المؤسسات الدولية والإعلام الأجنبي. وأصدرت عدة دول أوروبية بيانات أعربت فيها عن القلق من احتمال استخدام الأدوات القضائية لأغراض سياسية، داعيةً إلى ضمان الشفافية واستقلال القضاء. بينما اكتفت بعض القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، بعدم التعليق على ما وصفته بأنه “شأن داخلي تركي”. أما الاتحاد الأوروبي، فقد ربط الحادثة بملف الحريات وسيادة القانون، وهي قضايا طالما شكّلت نقاط نقاش بين أنقرة وبروكسل، خاصة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016 وما تلاها من تغييرات دستورية وقانونية.

سيناريوهات المستقبل

بينما ينفي إمام أوغلو كل التهم ويصفها بأنها ذات طابع سياسي، تؤكد النيابة العامة أنها لا تزال بصدد استكمال تحقيقاتها، وأن القضية مفتوحة على تطورات جديدة. وبهذا الصدد، تتعدد السيناريوهات المحتملة للمستقبل، ومنها:

  • استمرار التحقيق مع إمام أوغلو رهن الاحتجاز مع إمكانية تمديده.
  • إطلاق سراحه بشروط أو بكفالة إذا قررت المحكمة ذلك.
  • توجيه لائحة اتهام رسمية وتحويله إلى المحاكمة، مما سيؤثر على قدرته القانونية على الترشح لأي منصب سياسي مستقبلاً في حال إدانته.

يعتقد بعض المحللين أن المشهد قد يتعقد إذا طالت القضية زمنياً أو استُخدمت في الحملات الانتخابية المقبلة. بينما يرى آخرون أن المؤسسات القضائية التركية يجب أن تُمنح المساحة الكاملة للعمل بعيداً عن الضغوط السياسية.

خاتمة

يبقى اعتقال أكرم إمام أوغلو حدثاً مهماً في السياق السياسي التركي، سواء نُظر إليه من زاوية القانون أو من زاوية التوازنات الحزبية والانتخابية. فتركيا، كدولة ذات تاريخ ديمقراطي طويل وتجربة حزبية غنية، تواجه اختباراً جديداً يتعلق بمدى الفصل بين السلطات وكيفية التعامل مع المنافسين السياسيين وفقاً للقانون والدستور.

ويبقى السؤال الأبرز: هل ما يحدث الآن هو مسار قانوني طبيعي أم خطوة ذات أبعاد سياسية؟ وهل حقاً يقف أردوغان وراء هذا الاعتقال لتصفية خصم سياسي، أم أن هناك أطرافاً أخرى في المعارضة قررت التخلص من إمام أوغلو؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن الحقيقة.

أضف تعليق

error: