في هذه الآونة برز مصطلح جديد يُدعى ” اضطراب نقص الطبيعة “، أول من صاغه هو الكاتب ريتشارد لوف في كاتبه ” آخر طفل بالغابة ” والذي يتحدث فيه عن الفجوة المتزايدة بين الأطفال والطبيعة بسبب سيطرة التكنولوجيا من جهة وطغيان البناء على حساب المساحات الخضراء من جهة أخرى، لذلك يجب الموازنة بين معرفة الإنسان بالطبيعة وبين معرفته بالتكنولوجيا والأمور المستحدثة حتى لا يجد الطفل نفسه فيما بعد فريسة لآثار التكنولوجيا السلبية نتيجة جهله بالعالم الطبيعي من حوله.
تعريف اضطراب نقص الطبيعة
ذكر الدكتور فلاح التميمي “استشاري الطب النفسي” أنه بلا شك أن مصطلح اضطراب نقص الطبيعة الذي ذكره المؤلف ريتشارد لوف في كتابه ” آخر طفل بالغابة ” ذُكر حتى يوجه به الكاتب رسالة إلى الجميع بوجود خطر محدق يحيط بأطفالنا.
الجدير بالذكر أن هذا المصطلح ليس معروفاً بين مصطلحات الطب النفسي الأخرى او في العلوم، وإنما هو عبارة عن مصطلح اجتماعي وتربوي أضافه المؤلف في أحد كتبه يشير فيه الكاتب إلى حقيقة معينة وهي خطر الانسحاب من الطبيعة وما يشكله على نفسية الأطفال مقابل التوغل في التكنولوجيا التي يجب أن نشير إلى أنها ليست السبب الأساسي والدائم لهذا الاضطراب، لأن هناك دوماً أسباب أخرى لهذا المصطلح أو هذا الاضطراب النفسي.
أسباب تعرض الأطفال لاضطراب نقص الطبيعة
هناك شقين أساسيين لهما الدور البارز في ظهور هذا الاضطراب عند الطفل وهما:
- الأهل.
- العالمية أو العولمة.
أما عن الأهل، فإننا كنا نشعر بالأمان قديماً مذ أن كنا صغاراً نتربى في الحارة أو نتربى مع أقراننا من أقاربنا وجيراننا، ولكن الآن هنالك توجه من غالبية الناس إلى أن الحي والشارع ليس آمناً، وبالتالي يصبح هنالك عند الأهل خوف وتخوف واضح من الطبيعة واحتكاك الطفل المباشر معها، ومن ثم فإن الأهل يعلمون أبنائهم حماية زائدة أو خوف زائد من الطبيعة ولا يجعلونهم يخرجون إليها ويحتكون معها، وبالتالي يحتاج الطفل دوماً ويكون لديه فضول لأن يمارس فضوله هذا، ومن ثم يتوجه إلى العالم الاليكتروني.
مضيفاً: من جهة أخرى، لا شك أن طبيعة الحياة العصرية قد قللت من اهتمامنا بالطبيعة وحتى من المساحات الموجودة في الطبيعة، لذلك فقد جعلتنا تلك الحياة العصرية دون وعي نتجه نحو أمور أو نشاطات منزلية عديدة دون التوجه إلى الطبيعة الساحرة أو المساحات الخضراء الهائلة من حولنا للقيام بمثل هذه النشاطات.
أعراض اضطراب نقص الطبيعة على الطفل
عندما نتكلم عن هذا الاضطراب الاجتماعي فإننا حينئذ إزاء نشوء جيل من الأطفال لديه كسل شديد نتيجة عدم خروجه للطبيعة وعدم قيامه ببذل أي نوع من أنواع النشاطات المختلفة، وإنما يعتمد أبناء هذا الجيل الحديث على البقاء في المنزل فحسب ليأكلون ويشربون ويلعبون ويرفهون عن أنفسهم بداخله، ومن ثم سيتعرض هؤلاء الأطفال إلى بعض الأمراض الصحية الخطيرة كمرض السُّمنة الذي يُعد أحد أهم المشاكل الجسدية البارزة والناتجة عن هذا الاضطراب.
على الجانب الآخر، يفقد الطفل حقه في تحمل المسئولية وإدراكه للمخاطر المحيطة به على أرض الواقع عند تحجيمه عن الاختلاط مع الطبيعة، ومن ثم فإننا نخلق فيه عدم قدرة لتحمل المسئولية بشكل كامل، كما أننا لا نعلمه الإبداع لأنه يعتمد في مثل هذه الحالات على التلقين وتلقي الأوامر والنواهي المنزلية فحسب، وهو ما يُعد الخطر الأكبر أو النتيجة الأسوء لهذا الاضطراب على الطفل.
هل يمكن أن يستغل الطفل التكنولوجيا لصالحه للإبداع حياتياً؟
رأينا في السنوات الماضية وفي كثير من الدول أن الأطفال استخدموا التكنولوجيا الاستخدام لأمثل في محاولة منهم للقيام بعض الثورات التي غيرت من شكل العالم إن صح التعبير، لذلك فلا لوم للتكنولوجيا في هذه الحالات وتمثيلها متهمةً في سحب الطفل من الطبيعة وجلبه إليها دون جدوى.
علاوةً على ذلك، إنني مع الاستخدام الراشد للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي من جانب الأطفال، ولكن مع نخشاه على أطفالنا هو الاستخدام بطريقة تتغول فيها على الطبيعة، لأننا نريد أن يكون هنالك توازن بين التكنولوجيا والطبيعة من حيث استخدام أو احتكاك الطفل مع كل منهما.
يجب الإشارة إلى أن حظوظ أطفالنا اليوم في التعلم وسرعة التعلم أفضل كثيراً من جيلنا، وذلك لأن وسائل التكنولوجيا قد يسرت لهم أن يمتلكوا تكنولوجيا ومعلومات معرفية كبيرة ليست فقط على المستوى المحلي وإنما أيضاً على المستوى العالمي وبشكل أقصر وبصورة أوسع.
وختاماً، بحسب موقع big think البريطاني، هناك بعض الدراسات التي أجريت لمعرفة العلاقة بين الابتعاد عن الطبيعة من جهة والسلوكيات السلبية للأطفال مثل نقص الانتباه، وقلة التركيز، وفقدان الدافع إلى التعلم من جهة أخرى، مع العلم أن هناك دراسات أخرى تشير إلى وجود علاقة سلبية قوية بين الابتعاد عن الطبيعة وبين السلوكيات السلبية التي تظهر على الأطفال فيما بعد، ومثل هذه الدراسات يجب علينا جميعاً أخذها في الاعتبار والاستفادة منها.