أتذكَّر أن مجلة ديلي اكسبريس البريطانية نشرت من قبل نتيجة استطلاع أجري في المملكة المتحدة، وأظهر أن حوالي نصف البريطانيين يؤيدون العودة إلى استخدام العصا كأسلوب للتربية في المدارس، مبررين ذلك بضرورة منح المعلمين حقهم في استخدام أساليب وصفوها بالقاسية لردع المشاغبين.
وقال إن 93٪ من الآباء والأمهات و68٪ من الأطفال يعتقدون أن المعلمين بحاجة إلى التمتع بالمزيد من الصلاحيات في الفصول الدراسية، فيما يؤيد 91٪ من الآباء والأمهات و62٪ من الأطفال السماح للمعلمين بأن يكونوا أكثر صرامة حين يتعلق الأمر بالانضباط. وبيّن الاستطلاع أن 40٪ من أولياء الأمر، و14٪ من التلاميذ أيدوا استخدام العصا أو الصفع لمعاقبة الطلاب المشاغبين، فيما عارض هذا الإجراء 53٪ من أولياء الأمر و77٪ من الأطفال.
النموذج الغربي
ويأتي التركيز على هذه النتائج نظرا لأهمية هذه القضية والاختلاف حولها، وبعد أن صدر إلينا الغرب النموذج التربوي المتمثل في المدارس المشتركة باعتبارها نموذجا تربويا سليما، حتى أثبت فشله على المستويين التعليمي والتربوي، وبدأ الغرب جاهدا لإعادة فصل المدارس بين الجنسين، ويبدو أن نفس السيناريو يتكرر مع قضية استخدام العصا في المدارس أو منعها، فعندما أعلنت الدول الأوربية قرار منع العصا في المدارس ثارت المنظمات الحقوقية وقامت الدنيا ولم تقعد في مصر والدول العربية لاستصدار قرار يمنع استخدام العصا في مدارسنا.. وقد كان.
والآن وبعد إعلان نتائج هذا الاستطلاع يحق لنا أن نتساءل: هل الضرب بالعصا هو الوسيلة المثلى لعقاب التلاميذ وانضباطهم؟ وهل تعيد للمدرس هيبته واحترامه؟
ولو تمنى المدرس عودة استخدام العصا.. فهل يقبل الطالب في ظل قوانين تتيح له الإبلاغ عن أبيه شخصيا حال الاعتداء عليه بالضرب؟ ثم هل نكون خياليين إذا طمعنا في نموذج تربوي خاص بنا أو مناسب لظروفنا وثقافتنا؟
وهنا تتعرَّف على أسباب الضعف الإملائي عند الأطفال
“رضعونا الخوف رضاعة”
و حول هذا الموضوع الشائك كانت هذه هي آراء بعض من الطلبة وأولياء الأمور والمدرسين والمتخصصين:
بداية عبرت خديجة “طالبة بالمرحلة الثانوية” عن فشل المنظومة التعليمية بأكملها وحاجتها إلى البناء مرة أخرى بصناعة محلية وخاصة بعد الثورة، واكتفت بكلمات الشاعر هشام الجخ: علمونا بالعصاية.. ورضعونا الخوف رضاعة.. فمتزعلوش لما أبقى مش بسمع كلامكم.. وماتزعلوش لما أبقى خارج عن النظام”
وعندما سألت “مروان بالمرحلة الإعدادية” هل ضربت من قبل في المدرسة؟ بدت عليه علامات الاستغراب وقال: “طبعا هو في حد في مصر مانضربش وهو صغير.. لكن دلوقتى خلاص إحنا كبرنا وعرفنا إن الضرب ممنوع”.
ولأن أحمد ” تلميذ بالمرحلة الابتدائية ” من التلاميذ المتفوقين، فلم يتعرض للضرب إطلاقا فالضرب من وجهة نظره “للتلاميذ اللي مش بتذاكر ومش بتعرف تجاوب في الفصل”.
ونقرأ هنا أيضًا عن ظاهرة انتحار الطلاب وأسبابها
الضرب.. تأديب وتهذيب
ولأولياء الأمور رأي مختلف: فيقول ” مجدي ولي أمر طالبين بالمرحلة الابتدائية : أنا بصراحة مع استخدام العصا في المدرسة وفي نفس الوقت ضدها، فلو استخدمت بشكل منهجي ومنظم ومراقب فأهلا بها، أما إذا استخدمها المدرس بهدف الانتقام والأذى أو بطريقة وحشية كما تطالعنا الصحف والبرامج التليفزيونية كل موسم دراسي، فلست مع استخدامها طبعا، فالضرب ليس غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة للتأديب والتهذيب.
ولأنها تخاف على أولادها من الرسوب في امتحانات آخر العام أو انحرافهم أخلاقيا تذهب “أم آية ربة منزل” للمدرسين بنفسها لتوصيتهم بضرب أولادها وعدم التردد في ذلك حال عدم استذكار دروسهم بشكل جيد أو صدور أي أفعال مشاغبة منهم.
وعلى العكس تماما كان رأي “رانيا أم لطفلين في المرحلة الابتدائية” فتقول أنا أرفض وبشدة استخدام العصا في المدارس فلم أرسل أولادي من أجل ضربهم أو تخويفهم، وتبرر ذلك بأن قرار منع الضرب جعل المدرسين يلجئون إلى أساليب غريبة وسيئة في العقاب مثل ضرب التلميذ على ظهره أو الضغط بسن القلم على كفه فهذا ما حدث مع ابنتها وما جعلها تتقدم بشكوى ضد هذه المدرسة.
وهنا كذلك: كيف نتعامل مع التلميذ المشاغب في المدرسة
فشل المنظومة التعليمية
ومن واقع التجربة تلقي “ابتسام.. مدرسة لغة عربية بالمرحلة الثانوية” باللوم على وزير التربية والتعليم الأسبق حسين بهاء الدين لأنه –من وجهة نظرها– يعتبر أساس المشكلة التي أضرت بالمنظومة التعليمية بأكملها ابتداء من الأسرة ومرورا بالطالب ثم علاقتهم بالمدرسة وتقول: بالطبع تدهورت هذه العلاقة وضاعت هيبة المدرس بسبب قرار منع العصا نهائيا بالإضافة إلى الدروس الخصوصية وإحساس الطالب بأنه اشترى المدرس بالمال.
وعن استخدام العصا ترى أن أسلوب العقاب يعتمد على نوعية الطالب، فهناك نوع من الطلبة ممن يتأثروا بالعقاب اللفظي أو النفسي، وعلى العكس هناك نوع آخر يأتي الضرب بثمار جيدة معه، وحتى لا يفهم كلامي خطا فلا أقصد الضرب المبرح مسببا العاهات، ولكن الضرب بهدف المصلحة.. وتتساءل قائلة: أليس هذا ما يفعله الأهل عندما يتمادى الابن في الخطأ؟.
ونجد هنا -أيضًا- كيف ولماذا يتأثر الطالب بأساتذه
الضرب.. مرفوض مرفوض
وما بين مؤيد ومعارض لعودة العصا، تؤكد المستشارة التربوية نيفين عبد الله رفضها التام لأسلوب التربية القائم على الضرب، لقتله الحس الفكري لدى الطالب، وتُرجع استخدام العصا إلى الثقافة المغلوطة والمختلطة في المجتمعات الإسلامية والتي تسلم بأن الضرب وسيلة تأديبية استنادا إلى حديث رسول الله ﷺ ونسينا أن رسول الله كان خير معلم ولم يستخدم الضرب في التربية إطلاقا ولكنه أعطانا رخصة الضرب الخفيف فقط وفي الشئون الدينية.
وردا على مقولة العصا لمن عصا تقول نيفين: “علينا أن نتذكر بأننا نربي طالبا وشخصا سويا وليس مجرما أو مسجونا، فمن عصى أعلمه بديل العصيان للوصول إلى احتياجاته وهناك قاعدة عامة تقول كل سوء سلوك وراءه احتياج غير ملب”.
وتواصل: نحن نعاني من فقر في الثقافة التربوية ويوم أن ينتبه مجتمعنا بأن هذا هو أصل البلاء سوف تحل جميع مشاكلنا، كما تؤكد أننا كتربويين فشلنا في مواكبة العصر وصرنا نتعامل مع القضية الجديدة بمفاتيح قديمة.
وكذلك؛ تقرأ هنا عن: عواقب الخوف الزائد على الأبناء
التعليم بالحب لا بالضرب
وتختتم نيفين حديثها بمجموعة من الاقتراحات لإدارة الفصل بدلا من الاحتكام إلى الضرب ومنها:
- أن يكون المدرس لديه وعي حقيقي باحتياجات الطلبة الوجدانية.
- أن يكن لديه خبرة ومهارة في طرق التدريس المختلفة والتنويع فيما بينها.
- الحرص على تقديم العديد من الأنشطة المختلفة للطلبة وجذبهم إلى الالتزام في الفصل.
- التفنن والعمل على شغل الطالب وإنهاكه فيما هو مفيد داخل الفصل لأن الطالب المشاغب -على حد قولها- هو الطالب الذي يستشعر الملل والزهق في المدرسة.
وختاما.. هل أنت مع استخدام العصا في المدارس؟
بقلم: رشا عبيد