عاش الشاعر ابن زيدون في القرن الخامس الهجري، فقد شهد هذا العصر أول الخلافة الأموية. ولقد صنع المسلمون في ذلك الوقت حضارة عالمية، فلم تكن الأندلس مدينة عادية على الإطلاق، إنها رمز شموخ الأمة الإسلامية.
نبذة عن حياة ابن زيدون
لم يكن ابن زيدون شخصاً عادياً بل كان أديباً، وشاعراً، لكنه أيضاً كان رجلاً سياسياً؛ حيث ساهم في تأسيس دولة بني جهور بقرطبة.
اسمه بالكامل
أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي (بالإنجليزية: Ibn Zaydun).
نشأته ومولده
ولد ابن زيدون في قرطبة عام 394 للهجرة، وكان أبوه فيها قاضياً وجيهاً.
نشأ ابن زيدون في بيت يُحب العلم والمعرفة؛ لهذا كان من مُنكباً عليهما، وقد اشتهر بنبوغه العلمي والمعرفي، وامتاز بالذكاء والتمكن من مجالات علمية ومعرفية كثيرة؛ فحفظ كثيراً من آثار الأدباء وأخبارهم، وأمثال العرب، وحوادثهم، ومسائل اللغة، وأصبح بذلك علماً من أعلام العلم والأدب في قرطبة.
فقد أصبح ابن زيدون من كبار الشعراء الأندلسيين من حيث مستوى شعره، فلقد كان يحظى بموهبة خاصة، والقدرة على الابداع الفني.
ديوان ابن زيدون الأندلسي
لقد طُبع ديوان ابن زيدون الشعري مراراً، فقد ضم هذا الديوان أكثر فنون الشعر المعروفة من غزل وفخر ومدح، وهجاء، ووصف للطبيعة؛ وسنذكر كل واحدة منهما على حدة باختصار:
شعر الغزل
لقد مثلت محبوبته ولادة موضوعاً لشعره؛ حيث أحبها، وأخلص لها وحافظ على العهد بينهما، في حين لم تحفظ هي ودّه، فكان هذا الوضع دافعاً ليُخرج لنا ابن زيدون أروع القصائد الغزلية، وأجود التعابير الصادقة؛ حيث يقول في إحدى قصائده:
يا مَن غَدَوتُ بِهِ في الناسِ مُشتَهِراً
قَلبي عَلَيكَ يُقاسي الهَمَّ وَالفِكَرا
إِن غِبتَ لَم أَلقَ إِنساناً يُؤَنِّسُني
وَإِن حَضَرتَ فَكُلُّ الناسِ قَد حَضَرا
وصف الطبيعة
أما الطبيعة فقد كان سحرها جزءً من حياة ابن زيدون، وغالباً ما كان وصفها مقروناً بحبيبته ولادة:
إِنّي ذَكَرتُكِ بِازَهراءَ مُشتاقاً
وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ
كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ
كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
شعر المدح
يُعد المدح من الأغراض الطبيعية في شعر ابن زيدون، فقد مدح العديدين منهم؛ أبو الحزم بن جهور، وابنه أبو الوليد ابن أبي الحزم، والمعتضد بن عباد، وابنه الملك الشاعر المعتمد بن عباد؛ كقوله:
لا يهنئ الشامت المرتاح خاطرُه أنَّى معنَّى الأماني ضائعُ الخطر
هل الرياح بنجم الأرض عاصفة؟ أو الكسوف لغير الشمس والقمر؟
قصة حُب ابن زيدون وولادة
لا يمكن أن اتحدث عن الأدب الأندلسي أو حياة وسيرة ابن زيدون دون أن نقف عند قصة مثيرة جمعت بين ولادة وابن زيدون؛ فيُحكى أنه من أول لقاء كان بينهم نشأت علاقة حب، فتبادلا الرسائل الشعرية، وتم اللقاء المُنتظر الأول في حديقة في قرطبة.
وقد كتبت له إحدى المرات:
أغار عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني
ولكن هذا الحُب لم يكتمل، لعدة أسباب من أهمها الظروف السياسية التي كانت تعرفها الأندلس حين ذاك. ويقال أيضًا أن سبب القطيعة بينهما هو انتقاد ابن زيدون لأحد أبيات الشعر التي كتبتها ولادة.
وفاة ابن زيدون
لقد فقدنا واحداً من كبار الأدباء في مختلف العصور، والحقبة الأندلسية على وجه الخصوص؛ حيث توفي ابن زيدون عام 463 للهجرة في مدينة اشبيلية، وهكذا كانت حياة ابن زيدون، وهكذا كان مساره الفكري والأدبي.
ما رأيك أيضًا أن تقرأ هنا عن الشاعر حافظ إبراهيم؛ وتتصفَّح معلومات عن أمير الشعراء أحمد شوقي، وتُغيِّر الدَّفة الذكورية إلى الشاعرة نازك الملائكة.
مقتطفات من أشعار ابن زيدون
أَيوحِشُني الزَمانُ وَأَنتَ أُنسي
وَيُظلِمُ لي النَهارُ وَأَنتَ شَمسي
وَأَغرِسُ في مَحَبَّتِكَ الأَماني
فَأَجني المَوتَ مِن ثَمَراتِ غَرسي
لَقَد جازَيتَ غَدراً عَن وَفائي
وَبِعتَ مَوَدَّتي ظُلماً بِبَخسِ
وَلَو أَنَّ الزَمانَ أَطاعَ حُكمي
فَدَيتُكَ مِن مَكارِهِهِ بِنَفسي
وفي قصيدة أخرى:
أَكرِم بِوَلّادَةٍ ذُخراً لِمُدَّخِرٍ
لَو فَرَّقَت بَينَ بَيطارٍ وَعَطّارِ
قالوا أَبو عامِرٍ أَضحى يُلِمُّ بِها
قُلتُ الفَراشَةُ قَد تَدنو مِنَ النارِ
عَيَّرتُمونا بِأَن قَد صارَ يَخلُفُنا
فيمَن نُحِبُّ وَما في ذاكَ مِن عارِ