العام الجديد هو بداية جديدة، وأجمل البدايات هي التي نختار أن نبدأها مع الله عز وجل، فوجود الله في بداية أمرٍ ما، يضمن لنا أن يستمر هذا الأمر حسناً ومباركاً حتى نهايته.
ابدأ مع من تحب
غالباً ما نحب أن نشارك أي شيء جديد في حياتنا، مع أكثر الناس قرباً منا، ومع الناس الذين يشعر قلبنا بحبهم أكثر من الآخرين.
فقد نختار حبيباً، أو صديقاً قريباً، أو نفضل أن يرافقنا أخوتنا أو والدينا في كل بداية جديدة تمر علينا. وهكذا يرتبط الحب بالمشاركة، بمعنى أن أكثر إنسان تحبه، هو أكثر إنسان تقضي معه لحظاتك الهامة، وتشاركه في كل أمر من بدايته، وخاصة إن كان هذا الإنسان يحبك أيضاً ويبادلك نفس الشعور.
فمثلاً إن أعطاك إنساناً تحبه جداً، هدية ثمينة جداً في عيد ميلادك، فإنك تفضل أن تقضي هذا اليوم معه، تعبيراً منك على امتنانك له، وتقديراً لهديته الثمينة التي اختارها بنفسه من أجلك، وتعبيراً أيضاً على مشاعر حبك له.
هكذا الحال مع الله عز وجل مع فارق التشبيه طبعاً، فالله الذي يحبك جداً، وميزك عن سائر مخلوقاته في كل الأرض، وخلق كل العالم بكل ما فيه من أجلك، لم ينساك في وسط خليقته الكثيرة، ولم يغفل عنك بين الملايين من البشر في كل الأرض.
بل أعطاك هدية ثمينة جداً، وهي عاماً جديداً، فرصة جديدة للحياة، فرصة للتغيير والتصحيح، فرصة للتوبة وطلب الرحمة منه، وفرصة لتبديل المسار الخاطئ بمسار آخر صحيح.
فلا تظن أن بداية العام هي مجرد يوم عادي يضاف إلى أيام حياتك الكثيرة، أو أنه مناسبة سعيدة للاحتفال مع الآخرين وتبادل الأمنيات والهدايا فقط.
ولكنه باب رحمة متجددة يفتحه الله أمام وجهك، دعوة مجانية يقدمها لك بدون شروط أو قيود. يدعوك أن تأتي إليه مهما كانت حالتك سيئة، ويدعوك أن تجتهد لتصبح أفضل إن كنت صالحاً تقياً، وينتظر منك أن تلبي دعوته.
فإن كان الله عز وجل ينظر إلينا هكذا، ويحبنا أكثر مما يحبنا الجميع، ويعطينا أكثر جداً مما يستطيع العالم كله إعطائنا، ويقبلنا كما نحن مهما كانت حالتنا، على عكس ما يفعل العالم.
فالبشر يضعون شروطاً لقبول الآخرين، فإن كنت شريراً أو فاشلاً أو فقيراً، قد لا يقبلك كل الناس كما أنت، وقد لا يفضلون التعامل معك، وربما ينفرون منك حتى ينصلح حالك.
أما الله فيقبلك ويحبك حتى وأنت في أسوأ حالاتك، ويساعدك بقدرته وجلاله لكي تتغير إلى الأفضل، ويصبر عليك حتى ولو كان تغييرك بطيئاً جداً.
فإن كان الله يفعل كل هذا من أجلك، أفلا يستحق أن تفضله هو على الآخرين؟، أكثيراً عليه أن تقضي اللحظات الأولى في بداية هذا العام معه، بدلاً من أن تصرفها في اللهو والفرح الوهمي الذي لا يغير القلب ولا يشفي النفس.
جرب ولن تخسر شيئاً، جرب تدخل غرفتك وتغلقها عليك في أول لحظات هذا العام، وتقف أمام الله بخشوع وإجلال، لأنك تقف أمام خالق الأكوان، ومالك السماوات والأرض وكل خلائق المسكونة، الذي تسجد امامه الملائكة برهبة، وتنحني أمامه كل القلوب الصادقة في حبه.
قدم له شكرك لأنه وهبك هذا العام الجديد، وأنك مازلت حياً، وأن فرصتك لم تنتهي بعد، اشكره على كل الهبات والنعم التي وهبك إياه طوال حياتك وطوال العام الماضي.
استغفر منه عن كل الذنوب والخطايا والهفوات والسهوات التي قد فعلتها في كل حياتك الماضية سواء بقصد أو بدون قصد.
أطلب منه أن يهديك إلى طريق التقوى والصلاح والخير والعطاء، وقل له علمني ياربي أن أعيش في هذا العام الجديد بالطريقة التي ترضيك.
أخبره عن أهدافك وخططك المستقبلية للعام الجديد، وأطلب منه أن يساعدك ويعينك لكي تحققها. قل له إني أضع بيتي وأولادي وأهلي وأسرتي وأصدقائي وعملي وكل أمور حياتي أمامك في هذا العام، فباركني وباركهم وساعدني وساعدهم لنفعل كل شيء حسب مشيئتك.
أذكر أمام الله كل إنسان تعرف أنه حزين أو مريض أو فقير أو يمر بمشكلة أو ضيق وأطلب من الله أن يعينه ويكون بجانبه.
وأخيراً تأكد إنك إن بدأت هذه البداية الصالحة مع الله، وفضلته هو عن كل انسان، ووضعت أمامه كل أمور حياتك، سيكون معك، ويباركك ويبارك أسرتك وأولادك، ويعينك على أمور حياتك، وينجح كل أعمالك، ويفيض عليك من بركاته ونعمه، لأنه إله عظيم يسمع ويستجيب.