لو أن قناة تليفزيونية عرضت برنامجا لمدة عشر دقائق فقط عن معاناة بكتيريا «هيليكو باكتر» في جسم الإنسان -لو كانت تعاني طبعا- فلن تنقضي تلك المدة قبل أن أصاب بالتعاطف الشديد مع تلك البكتيريا، أما حين تتمادى القناة فتعرض برنامجا وثائقيا طويلا عن البكتيريا المسكينة تلخص فيه عظيم معاناتها وكبير مصاعبها في سبيل محاولة الاستمرار على قيد الحياة.
ثم برنامجا آخر لعرض ندوة لعلماء الأحياء الدقيقة حول الظروف الصعبة التي تعانيها، معززا بالصور والوثائق واللقطات المرئية، ثم برنامجا ثالثا لتلقي اتصالات المتعاطفين مع «هيليكو باكتر»، فلا أظنني سأتمالك نفسي قبل أن أعلن عن حملة شعبية لمناصرة تلك البكتيريا المظلومة التي لم أسمع بها من قبل، بل ربما فكرت جديا في رفع قضية على ذلك «الإنسان» المتسلط الذي لم يوفر لها البيئة المناسبة لاستمرار حياتها داخل بطنه! وسيتبرع صديقي «مروان» دون أن أطلب منه بفتح صفحة في موقع «فيس بوك» بعنوان «جنبا لجنب مع هيليكو باكتر»!
ما مارسته القناة التي افترضتها قبل قليل هو ما يسمى بـ «إيديولوجيا الإعلام» التي صارت اليوم تتحكم بشكل مطلق فيما يشاهده المتلقي، بلو فيما يستمع إليه وبالتالي فيما سيقوله! وهي تلك الممارسة الإعلامية التي يصفها الدكتور محمد البشر في كتابه «إيديولوجيا الإعلام» بأنها «نتاج رؤية إيديولوجية قد تكون مرجعيتها ثقافية أو اجتماعية أو دينية أو سياسية، أو مبنية على موقف شخصي تتجسد صورتها في المنتج الإعلامي، عبر وسائل الإعلام المختلفة!».
المشكلة الآن حين لا تصبح تلك المرجعيات ناضجة بالشكل الكافي فتفرض عليك مشاهدة إنتاجها المرئي الرخيص أو الاستماع لأغنية تشك بعد فراغها في ذائقتك الموسيقية! ثم تذهب لأكثر من ذلك حين تقحمك في قضاياها المختلفة التي لم تسمع بها من قبل، لتصبح بعد ذلك جاهزا جدا لخوض المرحلة الأخطر وهي «إقصاء العقل» حين تتحول لمجرد ببغاء تردد ما تمليه عليك الآلة الإعلامية في المجالس دون أن تشعر!
بقلم: ماجد بن رائف
هل ترغب بالمزيد.. إليكم مقترحاتي:
- فاقرأ هنا: الحوار الوطني حول الإعلام
- وكذلك: كيف تصبح مشهورا في 3 دقائق؟
- وختامًا: الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.. أنتم القشَّة