إن رباط الزوجية من الروابط التي تقدسها شريعتنا الغراء وتعلي شأنها، وتهتم بتقويمها إذا ما أصابها خلل أو اعوجاج، لأن البناء الأسري هو النواة التي تتكون منها المجتمعات، فإذا ما كان البناء صحيحا ومتينا كان بناء المجتمع سويا، أما إن كان البناء الأسري ضعيفا واهيا متهالكا كان بينان المجتمع ضعيفا واهنا يسهل اختراقه وتشويهه والعبث بقيمه، وقد وضعت الشريعة معايير وضوابط ينبغي مراعاتها عند التخطيط لبناء أسرة، وقد أثبتت التجارب أن مراعاة تلك المعايير منذ البداية تجنبنا الانزلاق إلى هوة الخلافات والمشاحنات وما ينتج عنها من توابع سلبية تكون مدمرة في كثير من الأحوال.
الوقاية من أسباب الطلاق خير ألف مرة من العلاج
من المؤسف جدا أن نلاحظ ازدياد معدلات الطلاق في المجتمع الإسلامي والعربي بشكل عام، فقد كثرت ظاهرة الطلاق في السنة الأولي من الزواج أو بعد سنتين أو ثلاث، وهذا مؤشر خطير يلفت الأنظار إلى وجود خلل في معايير اختيار شريك الحياة منذ البداية، فالتغاضي عن الاعتبارات التي وضعتها الشريعة الاسلامية من حيث الكفاءة وحسن الخلق وصلاح الدين، يوصلنا وفي وقت قصير جدا إلى الشقاق الذي يبدأ مع تكشف عيوب الشريك أمام شريكه، وعجز هذا الشريك عن استيعابها والتكيف معها والتعامل معها بالصورة الصحيحة.
فقد أصبحت معايير هذا العصر في اختيار شريك الحياة قائمة على الشهادات والمستوى المادي والاجتماعي، ونحن إذ نقول ذلك ليس تقليلا من شأن تلك المعايير وإنما نناشد أن توضع في نصابها الطبيعي، وليكن المعيار الأول في أذهاننا هو صلاح الدين وحسن الخلق، وهذا ما أوصانا به الحبيب –صلى الله عليه وسلم- إذ يقول في حديث شريف معظمنا يحفظه عن ظهر قلب:( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
بعد هذا الاعتبار البالغ الأهمية يأتي النظر في مسألة الكفاءة، وهي من العوامل الهامة لاستمرار الحياة الزوجية والوصول بها إلى بر الامان، وإن كانت الكفاءة فيما مضى تُشترط في الحسب والنسب والمستوى الاجتماعي، فقد أصبحت في عصرنا أشمل بكثير، فالكفاءة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بالمستوى العلمي والثقافي والفكري، والكفاءة أو التقارب في نمط الشخصية ونمط الحياة أيضا، لأن وجود مسافات متباعدة بين الطرفين في هذه السمات يخلق فجوة كبيرة بينهما، وعائقا كبيرا في طريق التواصل والتفاهم والقدرة على امتصاص الخلافات وتجاوزها، وغالبا ما يثمر عن علاقة مهزوزة تفتقر الصلابة في مواجهة ما يطرأ عليها من تحديات وما يواجها من صعوبات، ومن ثم يجب أن يكون الاختيار منذ البداية واعيا محسوبا قائما على مساحة من الكفاءة والتقارب في وجهات النظر وتقديس الحياة الزوجية والعمل على بقائها مهما كانت التضحيات.
كيف نتعامل مع مشاكلنا حتى لا نصل إلى أبغض الحلال؟
هناك طرقا بينتها الشريعة ينبغي أن نتبعها في التعامل مع ما ينشأ بين الزوجين من خلافات، وتتميز تلك الطرق بنجاحها في التغلب على المشاكل والخروج منها بأقل الخسائر، يمكن طرح تلك الطرق أو الحلول في النقاط التالية:
الحرص عل الخصوصية وعدم إدخال أطرا ف خارجية في الخلاف.
المحاولة الجادة للعثور على نقطة التقاء ومدخل مناسب يبدأ منه الحوار، مع التزام الهدوء.
حينما تتعارض الرغبات ينبغي البحث عن نقطة وسط، بأن يتنازل كل طرف عن بعض متطلباته في سبيل الهدف الأهم وهو الحفاظ على كيان الأسرة.
في حال فشل كل المحاولات الجادة من الطرفين، أوصتنا الشريعة بالاستعانة بطرف خارجي على ان يكون عاقلا وحكيما والأهم ان يكون حريصا على الإصلاح؛ قل تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (35).
فإذا سبق السيف العذل!
حين يبذل الطرفان كل ما في وسعهما للحفاظ على ذلك الميثاق الغليظ الذي يربط بينهما دون جدوى، وحين تلوح ملامح الفراق على البعد، وحين يقضي الله أمرا كان مفعولا، يجب أن نتحلى بآداب الإسلام ورقيه في انهاء العلاقة وأن نتخلى عن مظاهر الهمجية والفجور، قال تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) (130) وقال تعالى (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وأخير لا ننسى تلك الوصية التي تستحق أن تكتب بماء الذهب(وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) وتتأكد كل هذه الأوامر في حق كل زوجين يلجأن إلى الطلاق وبينهما أبناء، صغارا كانوا أو كبارا!