يتميز المجتمع السعودي بتمسكه الدائم بالعديد من العادات والتقاليد وخاصة ما يتعلق بإكرام الضيف على مر السنين، ولكن في ظل المتغيرات المعيشية والأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع الأسعار المستمر غير المسبوق في الأسواق، يبرز السؤال: هل لا يزال أبناء المجتمع متمسكين ببعض العادات والتقاليد أم أن ظروف الزمن القاسية أجبرتهم على التخلي عن تلك العادات؟ وهل هناك تجاوب من قبل المتمسكين بتلك العادات؟
بحثنا في متغيرات الواقع والسلوك الاجتماعي بحسب تداعيات الاستهلاك والقدرات الشرائية للمواطنين.
عاداتنا ثابتة
ناصر آل زمنان، 69 عاما، أكد تمسكه الشديد بجميع العادات والتقاليد التي ورثها عن طريق الآباء والأجداد وبالأخص التي تخص إكرام الضيف، موضحا مدى خوفه من أن تؤثر العولمة في عقلانية الجيل الحالي.
وقال آل زمنان: “للأسف، كثيرا ما أسمع من البعض تذمره من طريقة إكرام الضيف المتوارثة مطالبا بتغير مثل تلك العادة متحججا بارتفاع الأسعار، وأن الرواتب بالكاد تغطيه هو وعائلته فكيف له أن يستطيع تغطية مصاريف عشاء تتجاوز الألف و500 ريال، وأنا أقول لمثل تلك الفئة من الشباب لو أردت أن تذهب لرحلة سياحية أنت وعائلتك لأحد بلدان العالم كما يعمل كثير من الشباب لاستطعت أن توفر مبلغا يفوق الخمسة آلاف فكيف لا تستطيع أن توفر مبلغ الألف و500 ريال؟ وكذلك ليعلم مثل هؤلاء أن الضيف ليس بشكل يومي بل في الغالب تمر ستة الأشهر ولا ترى من يطرق بابك بالأخص في المدن عكس القرى”.
تعديلات وتنازلات
سمير الشامي لن يفرط بتمسكه واعتزازه بما ورثه من قبل الأجداد والآباء من عادات وتقاليد، ولكنه لا يمانع من القيام ببعض التعديلات على مثل تلك العادات والتقاليد لأنها ليست بكتاب منزّل، وكذلك البعض منها لا يقبلها العقل والمنطق، إلى جانب أن هناك العديد من الأمور التي تجبر على التنازل عن بعض الأشياء مثل الأزمة الاقتصادية الحالية والارتفاع المستمر في جميع الأمور الحياتية، وقال: “أريد توجيه سؤال لبعض المتمسكين ببعض العادات والتقاليد.. عندما تكون موظفا براتب لا يتجاوز الأربعة آلاف ريال، وتسكن في منزل إيجاره السنوي 20 ألف ريال، هل من الممكن أن تبذّر في راتبك؟ وهل هناك آية قرآنية أو حديث شريف يحثني على إكرام الضيف بمبلغ يتجاوز الألف و500 ريال على الأقل؟”.
وهنا تقرأ: تربية الأبناء على الجود والكرم
لا مجال للتغيير
عبدالعزيز حسن رأى أن الموضوع حساس ومن الصعب جدا تقبله بسهولة من قبل البعض، بل رأى أنه بمرتبة المطالبة بالسماح للمرأة بقيادة السيارات.
وقال: “بصراحة موضوع حساس جدا، ومن الصعب أن يتقبل البعض أطروحاته ولا أتوقع أن يكون صداه طيبا بمثل ما نتمنى، بل من ناحيتي أجعله في خانة المواضيع الحساسة مثل السماح للمرأة بالقيادة والعادات والتقاليد، وللأسف البعض منها وضع من قبل أناس أكل عليهم الدهر وأصبح يتلقاها الطبيب والمعلم والمهندس، بل يطالب العمل بها، وهذا بصراحة شيء قاتل، وأنا أطالب ذوي الاختصاص بأن يكثفوا من محاضراتهم وندواتهم لجميع فئات المجتمع في كل ما يرونه يضر بهم، وبالأخص في ظل الأزمة الاقتصادية القاتلة وارتفاع الأسعار بشكل غير معتاد عليه”.
حاجة إلى التغيير
يقول بشير اللويش الاختصاصي الاجتماعي إن المجتمع نوعا ما وبشكل عام لديه وعي ومتمسك بالعادات الطيبة ومنها على سبيل المثال إكرام الضيف وبالشكل المعقول وبحدود المنطق، ونحن كمجتمع سعودي ولله الحمد نكرم الضيف خير إكرام على مر السنين، ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع مستوى المعيشة في المجتمع السعودي نحتاج إلى التغيير في بعض تلك العادات، ومن الواجب أن يكون ذلك عبر أئمة المساجد والمنابر الإعلامية حتى يتسنى للمواطن السعودي أن يعيش حياة هانئة.
وهنا كذلك تجِد: رمضان شهر الجود والكرم الوافر
البوعينين: الغلاء أثّر كثيرا في المجتمع
المحلل الاقتصادي فضل البوعينين يرى أن المتأثرين بالأزمة الاقتصادية صنف معين من الموظفين، وهم التابعون للقطاع الخاص، وقال: “الأزمة الاقتصادية لم يكن تأثيرها مباشرا، بل كان محدودا للغاية على أساس أن الغالبية من المواطنين يعتمدون على رواتبهم الحكومية عكس موظفي القطاع الخاص الذين تأثروا بشكل مباشر بتلك الأزمة، وكذلك بموجة الاستغناء عن الموظفين في الخارج، ولكن كذلك يمكن القول إنه ورغم الأزمة الاقتصادية إلا أن أكثر ما أثر في المجتمع هو أزمة الغلاء في السوق السعودية بسبب الجشع والاحتكار وضعف الرقابة الرسمية.
الشمري: الكرم أمر شرعي وما نشاهده اليوم تبذير
الشيخ بدر الشمري إمام جامع بلال بن رباح في محافظة الخبر قسّم إكرام الضيف إلى صنفين، حيث قال: “لا شك أن الكرم صفة يحبها الله سبحانه وتعالى كما أخبرنا النبي ﷺ: “إن الله يحب من عباده الكرماء” وهو اسم من أسماء الله الحسنى، بل إن الله عز وجل امتدح نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام في سورة الذاريات “هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين” ثم قال في نفس سياق السورة “فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال ألا تأكلون” والذي يتأمل الآية يجد فيها فوائد كيف إن إبراهيم راغ، والروغان هو الذهاب بسرعة وخفية، ثم تأمل بماذا أتى؟ بعجل سمين، ثم قرّب الأكل للضيف، ولم يقمه وهذا من كمال الكرم، ثم لو أبرحنا في السنّة لوجدنا أن النبي ﷺ أطلق سراح سفانة بنت حاتم الطائي إكراما لأبيها، ولكن للأسف ما نشاهده في زمننا الحالي هو الإسراف بعينه والتبذير، وقد حذر الله منه “إن المبذرين إخوان الشياطين”، بل ربما تجد أناسا يقدمون الولائم لأجل مصلحة من الضيف، وما كان لغير الله يزول.
تحقيق/بقلم: بلغيث المغربي