ابتداء من الثامنة صباحا يبدأ جواله المشؤوم بإخباره أن أحدهم يتصل بي، والمتصل الذي جعل له نغمة خاصة ورمزا لاسمه عنوة
بـ «الهامور الكبير» هو صاحب العمارة التي يسكنها منذ ست سنوات. وعندما تجاهل اتصاله الأول بسبب سوء التوقيت فإن «الهامور» لم يتحرج من معاودة الاتصال لأكثر من عشر مرات متتالية لم يفصل بينها إلا دعواته المتوالية بأن يسلط الله على جواله كل أنواع الفيروسات المعروفة وغير المعروفة، وتلك التي لم تكتشف بعد!
وعندما لم يجد ردا، أرسل الرسالة النصية التالية: «عزيزي المستأجر نفيدكم باقتراب موعد حلول القسط الثاني من إيجار شقتكم رقم 8، الذي يصادف الثامن من شهر محرم الموافق 14 من شهر ديسمبر، لذا نود منكم الإسراع بسداد المبلغ، علما بأن الإيجار سيرتفع ابتداء من موعد تجديد العقد القادم ليصبح 40 ألف ريال. نشكركم لتجاوبكم ونتمنى لكم إقامة سعيدة. المرسل: صاحب العمارة».
هو بالتأكيد لا يتمنى له إقامة سعيدة ولا يحزنون، فرسالة كهذه كفيلة بقتل أي متعة حياتية منتظرة!
كان صاحبنا ينتظر مثل هذه الرسالة منذ زمن، فالسيد «الهامور الكبير» كان قد صبّح جيرانه الكرام وعكّر أمزجتهم بالرسالة نفسها في وقت مضى، لذا فقد عمد قبل وصول الدور له إلى التهيئة النفسية لتخفيف آثار الصدمة المتوقعة، سهّل عليه ذلك جلوسه الكثير مع جاره الطبيب النفسي الذي كان يذكره أن المال يأتي ويذهب وأنه لا يجب عليه أن يغضب من أمر كهذا، فالموت مع الجماعة رحمة!
كان سيجد ما يبرر للهامور فعلته تلك فيما لو كانت «عمارته» حديثة عهد ببناء! أما وهي تستعد للاحتفال بعيد ميلادها الـ 25، فلم يجد له أي مبرر إلا قول المتنبي: «كذا قضت الأيام ما بين أهلها، مصائب قوم عند قوم فوائد».
كان التفكير في مغادرة الشقة أمرا بدهيا، إلا أنه وبعد أخذ «لفة» على مكاتب العقار اكتشف وجود أكثر من «هامور»، أن أتعس شقة، إن وجدت، لن يقل إيجارها عن 35 ألف ريال بإجماع واتفاق هوامير مكاتب العقار! وعندها غادر بخيبته وعاد لداره ودعا لنفسه بإقامة سعيدة، وردد مع طبيبه النفسي «الموت مع الجماعة رحمة»!
بقلم: ماجد بن رائف