«سامي» يسأل: إنني أعيش في بلد أوروبي، ولقد اتفقت مع فتاة أوروبية مسلمة على الزواج منها، لكن فيما بعد تبين لي أن تلك الفتاة قد أصيبت برأسها من الخلف منذ ثلاث سنوات، وهو ما أدى إلى فقد ذاكرتها، لكن بعد ذلك عادت إليها، ولكن ليس بشكل كامل، وأصبحت إنسانة تخاف من الليل، وبسرعة تفقد أعصابها، وترى أحلامًا مزعجة، والأصعب من ذلك أنها يمر عليها أيام ولا تستطيع النوم.
وأنا الآن محتار، هل أنفِّذ وعدي لها، وبعد ذلك حالتها الصحية ستتحسن أم أنها ستبقى على هذه الحالة، مع أنها ترفض الذهاب إلى أي طبيب نفساني أو عادي؛ لأنها تدَّعي أنها إذا ذهبت ستفقد وعيها، وقد حدث ذلك معها أكثر من مرة، وهي الآن بسبب عدم اتخاذ قرار الزواج ازدادت حالتها سوءاً، وترفض الذهاب إلى الطبيب، مع أنها تعاني من ارتفاع هرمون البرولكتين المسؤول عن إفراز الحليب، مع أنها ليست بحامل أو مرضعة. أرجوكم أرشدوني، جزاكم الله خيرًا.
د. أمل المخزومي «طبيب نفسي» أجابت السائل؛ فقالت: الأخ الفاضل.. يتعرض الفرد أحيانًا إلى صدمات على رأسه، وإن كانت هذه الصدمات شديدة، فإنها تؤدي إلى ارتجاج المخ، وتعطيل وقتي أو دائم لفعالياته، وإلى آثار عضوية، ونفسية، وعقلية، نلخِّصها كما يأتي:
أ. الآثار العضوية: يتعرض المخ من جرَّاء الضربة المفاجئة إلى تمزُّق الأنسجة أو التصاقه بجدار الجهة المعاكسة لموقع الضربة أحيانًا. تؤدي هذه الصدمات إلى إغماء المصاب، وتعرضه للهذيان وأعراض النسيان. وتعتمد فترة استمرار هذه الحالات على موقع الضربة وشدتها. كما تؤدي إلى تعطيل أو إخلال بالنشاط الحركي، أو خلل في مشية المصاب، وقد يميل المصاب نحو الأمام أثناء المشي، أو يتعرَّض جسمه بشكل عام إلى حالات الرعشة كحالة محمد علي كلاي الملاكم المشهور.
كما يعاني المصاب من صعوبة في الكلام، وقد يصبح كلامه ثقيلاً ومترددًا. كذلك يؤدي إلى تدهور الانتباه، وفقدان الذاكرة. وتؤدي الضربة على الرأس إلى الإصابة بالتهابات سحائية للدماغ، أو تؤدي إلى الشلل العام أو النصفي.
تعتمد حالة المريض على موقع الإصابة، فالذي تكون صدمته واقعة على الفص الجداري فإنه يُصاب بالأفازية الحسية. أما إذا كانت الإصابة في الفص الأمامي فينخفض مستواه العقلي بشكل واضح، وإذا كانت الصدمة في الفص الخلفي فإنه يُصاب بتلفٍ في البصر.
أما إذا أصيبت الأنسجة الرباطية الموجودة في القشرة الدماغية بالصدمة، فإنها تؤدي إلى مسح الذاكرة أو فقدان ما تعلمه الفرد في حياته. يطلق على تلك الحالة بالأفازيا، كذلك إن حدث تخريب في منطقة الكلام السمعي ينتج عن ذلك أفازيا سمعية أو عدم القدرة على فهم الكلام المنطوق، وتدل تلك الحالة على أن المريض قد فقد معاني الأصوات الملفوظة. أما إذا حدث تخريب في المنطقة الرباطية البصرية، فإنه ينتج عنه فقدان للقدرة على فهم الكلمات المكتوبة.
ب. الحالات النفسية: يؤدي ارتجاج المخ إلى اضطراب الشخصية، وتصبح استجابات المصاب متصفة بالبارانويا والسلوك الانسحابي. كما يتحوَّل المريض من شخص هادئ إلى شخص سريع الغضب مندفع مشاكس وعدواني. كذلك يتحول من شخص يتحمل المسؤولية إلى شخص لا يبالي إلى درجة قد تنعدم طموحاته ومبادراته، ويميل إلى الكراهية والأنانية، يتمركز حول ذاته. تهاجمه نوبات حادة من الاكتئاب أو جنون العظمة، وتكون انفعالاته متقلبة.
يعتمد نوع السلوك على اختلاف الأفراد ونوعية الإصابة، هناك بعض المصابين يظهر عليهم الانشراح والانطلاق، والهذيان وصفاء الشعور، وآخرون تظهر عليهم حالات الارتعاش والخوف، أو يصبحون ضعفاء لا يقوون على شيء، ويتميز سلوكهم بالعدوان بشكل متطرف. وقد يحدث لبعض المصابين نوع من الثرثرة، والتمسك في الأشياء التي يرغبون بها، والإلحاح في طلب هذه الأشياء، ومنهم من يتميز بالأنانية وعدم التعاون مع الآخرين.
ج. الآثار العقلية: كثيرًا ما تؤدي الصدمات القوية على الرأس إلى اضطرابات عقلية. يظهر ذهان الفصام أو الهوس الاكتئابي لمن كان مستعدًّا لذلك. كما يظهر ذهان الصرع في الفترة الأولى بعد الضربة.
قد تكون الأعراض التي سبقت الإشارة إليها غير منطبقة على خطيبتك. على أن هناك علامات تبدو على المصاب تبشِّر بأنه يتقدم نحو الشفاء. ومن هذه العلامات ما يطرأ على المريض من تحسُّن في قصر فترة فقدان الوعي، وعودة تكامل شخصيته، واستعادته لثقته بنفسه، وعودته على ما كان عليه من تكيف مع مواقف الحياة وظروف العمل، وشفاء آثار الارتجاج، هذا ما أتمناه لخطيبتك.
وهذه بعض التوصيات التي تفيد في حالة اتباعها بشكل دقيق:
- إن الحالات الناتجة عن صدمات الرأس تحتاج إلى صبر ووقت، وهو الكفيل في تحسن حالة المريض.
- يحتاج المصاب إلى رعاية صحية كاملة، وذلك بإشراف طبيب مختص بالجملة العصبية وأمراض المخ.
- عليك أن تتفاهم مع خطيبتك المصابة، وتقنعها بالذهاب إلى الطبيب، وتوضح لها بأن قرار الزواج يعتمد على تحسن صحتها كي يدفعها هذا إلى الاقتناع والذهاب إلى الطبيب.
- يعتمد زواجك منها على ما يقرره الطبيب المختص بعد الفحص الدقيق للمخ، فإن قرَّر الطبيب بأن ليس هناك ما يمنع الزواج فخير البرِّ عاجله.
- عليك أن تجلس وحدك وتناقش نفسك فيما إذا كنت مستعدًا للتعاون معها والتضحية من أجلها. فإن وجدت نفسك غير مستعد لذلك فترك فكرة الزواج أجدر؛ ذلك لأن الانفصال بعد الزواج يكون أصعب.
- كما أنها بعد الزواج تكون في حالة ينتظرها حمل وولادة، ورعاية أطفال، في الوقت الذي قد تكون غير مستعدة لتحمل تبعات مثل هذه المسؤوليات.
- قد يكون لها علم بحالتها، وهذا الذي يمنعها من الذهاب إلى الطبيب كي لا تطلع على حقيقة الأمر، وبالتالي تتركها، وهذا ما يقلقها من ناحية أخرى.
- أما من ناحية أحلامها على شكل كوابيس، فالسبب هو الصراعات التي تعاني منها.
- الخوف من الليل هو من نتاج حالتها الصحية والنفسية.
- ومن ناحية الأرق فإن تفكيرها منشغل بحالتها، وتحتاج إلى اتباع طرق للتخلص من الأرق، وهذه الأساليب المختلفة يمكنك أن تجدها في كتب الصحة النفسية.
- قد تحتاج إلى إجراء عملية جراحية.
- إعطاؤها المسكِّنات والمنوِّمات حسب إرشاد الطبيب.
- قد يعمل لها رسم للمخ للتأكد من آثار الإصابة، وللوصول إلى معرفة الخلل.
- تخفيف حالة الصراع التي تعاني منها، وذلك بتعريضها لمواقف تزيل عنها التوتر وذلك الصراع.
- تدريبها على التذكر والانتباه، وذلك بعرض بعض الصور المختلفة والاستفسار عنها، وتكرار بعض الجمل، وطرح الأسئلة المختلفة عليها، فيما يخصُّ المؤثرات التي تتعرض لها إن كانت في البيت أو خارجه.
- إعادة تكيُّفها مع الآخرين، وإقامة التفاعل الاجتماعي الإيجابي معهم. وذلك بممارستها النشاطات الاجتماعية المختلفة، والرياضة المتنوعة، وغيرها من الأمور التي ترغب بها.
- العناية الكاملة بها في هذه الفترة.
- ومن ناحية إفراز الحليب في هذا الوقت هو الآخر يحتاج إلى فحص وعلاج.
- تؤدي حالتها الصحية إلى التوتر، وأحيانًا إلى السلوك العدواني، وهذا يحتاج إلى رعاية صحية أيضًا.
- مسألة الزواج في هذا الظرف تحتاج إلى نوع من التأني للاحتياط.
أتمنى لها الشفاء العاجل، ولك الصبر الجميل.