حدثت قِصَّة الإسراء والمعراج عقب طرد أهل الطائف للنبي ﷺ. وقريش لم تتقبله، ويوم أن مات عمّه أبو طالب وزوجته خديجة آذوه. وما تجرَّأوا عليه إلا بعد هذا. كان أقصاهم أن يصفونه -بهتانًا- بالشاعِر والكاهِن وغيرها..
فبعد موت أبو طالب وخديجة، اللذان كانا بمثابة العزوة الخارجية والقوة الداخلية. خديجة تحميه وتساعده بالداخل، وأبو طالب يحميه في الخارج.
يقول أبو بكر: رأيت النبي يُجْبَدُ، ويسحب مرّة من الأمام ومرّة للخلف، حتى طُرِح في الأرض.
ووُضِع على وجهه الشريف ﷺ التراب، وعلى ظهره سلا الجزور. وقيل فيه ما قِيل.
ما لاقاه الحبيب ﷺ في الطائِف
وحينها أراد النبي ﷺ أن يخرج إلى الطائِف. فقال له زيد بن ثابت: إليك ناقتُك يا رسول الله. أي: اركب الناقة. فقال ﷺ: لا تأتي بالناقة، فإذا جاءونا في الصباح ولم يجدوا الناقة فسيعلمون أننا ذهبنا إلى مكانٍ بعيد.
يقول الشيخ بدر المشاري، وهذا بُعد نَظَر من الحبيب ﷺ، حتى يُفهِمَ من يتعقّبونه أنه في مكان قريب يتجوّل أو يقضي مصلحةً وسيأتي.
ووصل ﷺ الطائِف، واستقبله ثلاثة من كبار أهل الطائف في ذلك الوقت.
- الأول منهم قال: أتريدنا أن نصدقك يا محمد؟ والله لو تمسكت بأستار الكعبة تٌقسم أنك رسول الله ما صدقناك.
- والثاني قال: أما وجد الله إلا أنت ويُرسلك؟
- أما الثالث فقال: إن كنت رسولا لله فأنت أكبر من أن تكلمنا. وإن لم تكن رسولا لله فنحن أكبر من أن نسمعك.
فأخرجوا عليه الصبيان والغلمان والعبيد -والقصة المشهورة- حتى ضُرِب وطُرِد ﷺ من الطائف، وأُدميَت قدميه.
النبي يُعاني
الآن المصطفى ﷺ يعاني معاناة كبيرة، موت أبو طالب وخديجة وطرد من أهله، وطُرِد من الطائف.
وفي الحديث الشريف تقول عائشة -رضى الله عنها- سألت النبي: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل -رضي الله عنه- فناداني، فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” [أخرجه البخاري].
وقال ﷺ “اللّهُم إنّي أشكو إليك ضعف قوتي و قله حيلتي و هواني علي الناس أنت رب المستضعفين و أنت ربي، إلي من تكلُني إلي بعيدٌ يتجهّمُني ام إلي عدوّ ملّكته امري، إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أُبالي و لكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظُّلُمات و صلُح عليه امر الدنيا و الآخرة أن تُنزّل عليّ غضبُك أو أن يحل بي سخطك، لك العُتبي حتي ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك”.
هدية الإسراء والمعراج
وبعد ما رجع إلى مكة بسِتّ ليالٍ -كما ذكر أهل السّير- ثُم عُرِجَ به إلى السماء.
يقول العلماء أن الله قد عَرَجَ بنبيه إلى السماء تكريمًا له. حتى وصل وصل في هذه الرحلة المباركة، في ليلة الإسراء والمعراج إلى سِدرة المنتهى.
والنبي عليه الصلاة والسلام لما شافت السماوات وملكوت الملكوت رب العالمين، أصبحت الدنيا عنده ليس لها قيمة. فيقول ﷺ “الدنيا ملعونة ملعون من فيها إلا عالماً أو متعلم أو ذكر الله وما والاه”.
ولذلك فقد قال ﷺ أيضًا “والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم”.