أين اختفت قمة هرم خوفو؟

أين اختفت قمة هرم خوفو؟

قمة غير مكتملة تثير التساؤلات

إذا نظرنا عن قرب إلى هرم خوفو، سنلاحظ أن قمته ليست مدببة كما هو متوقع من الشكل الهندسي للهرم، بل هي مسطحة بشكل واضح، مما يشير إلى أن جزءًا منها مفقود. هذا النقص أثار حيرة علماء المصريات الذين حاولوا الإجابة عن سؤال محوري: لماذا لم تكتمل قمة الهرم الأكبر؟ وهل هذا النقص يعود لآلاف السنين، أم أنه حدث في العصر الحديث؟

تشير السجلات الأثرية إلى أن ارتفاع هرم خوفو عند بنائه كان يتراوح بين 146 و147 مترًا، أما اليوم فارتفاعه لا يتجاوز 137 مترًا، أي أن حوالي 10 أمتار مفقودة من القمة، ما يعادل ارتفاع مبنى من 3 طوابق. وبالحديث عن صفوف الحجارة، فقد كان الهرم يتكوّن من نحو 217 صفًا، أما الآن فلم يتبقَ سوى 201 صف، ما يعني أن 16 صفًا حجريًا ضخمًا قد اختفوا.

هل يمكن للزمن والمناخ أن يسرقا قمة الهرم؟

على الرغم من شيوع الفرضيات التي تُرجع هذا التآكل للعوامل البيئية والمناخية، فإنها لا تبدو مقنعة؛ إذ لا يمكن للرياح والأمطار وحدها أن تقتلع كتلًا حجرية تزن أطنانًا من القمة. والأهم من ذلك أن بقية الأهرامات في المنطقة (مثل هرم خفرع والمنكاورع) ما زالت تحتفظ بقمتها المدببة، وبعضها ما زال يحتفظ بجزء من كسوته الخارجية، مما يُضعف من قوة هذه الفرضية.

الهريم: الجوهرة المفقودة

كان من تقاليد الدولة القديمة أن يُتوَّج الهرم بـ الهريم أو حجر الزاوية، وهو عبارة عن مجسم هرمي صغير يُوضع في القمة. وغالبًا ما كان يُصنع من الذهب الخالص أو من سبائك الإلكتروم، أو يُغطى بطبقة ذهبية فوق الحجر.

ويُعتقد أن الهريم الذي كان على قمة هرم خوفو كان مطمعًا للصوص بسبب قيمته المادية، لذلك يُرجّح أنه قد سُرق في نهاية الأسرة الرابعة. ومع ذلك، فإن الهريم وحده لا يفسر فقدان 16 صفًا، خصوصًا أن ارتفاعه لا يتجاوز مترًا ونصفًا.

هل أُزيلت القمة عمدًا؟

تطرح بعض الفرضيات أن بعض الملوك الذين جاؤوا بعد خوفو تعمدوا إزالة جزء من قمة الهرم لتقليل قيمته الرمزية والحضارية، ولكن لا توجد أدلة قوية تدعم هذه النظرية.

في المقابل، هناك شهادات تاريخية تعود إلى العصرين اليوناني والروماني، مثل ما ورد لدى المؤرخين ديودوروس الصقلي وبلينيوس الأكبر، تؤكد أن القمة كانت مسطحة حتى في تلك الفترات، وكان مفقودًا منها 3 صفوف فقط مع بقاء الكسوة الحجرية الخارجية.

في القرن الثالث عشر، قدّم عبد اللطيف البغدادي وصفًا دقيقًا لقمة الهرم، وأكد أن الكسوة لا تزال موجودة، بينما كانت القمة مفقودًا منها 7 صفوف فقط. كما قاس المساحة المربعة على القمة ووجدها تبلغ 10 أذرع تركية (أي نحو 5.7 مترًا)، مما يدل على أن القمة لم تكن مدمرة بالكامل بعد.

زلزال القرن الرابع عشر وتأثيره غير المباشر

في بداية القرن الرابع عشر، تعرّضت القاهرة لزلزال قوي لم يؤثر مباشرة على الهرم، ولكنه تسبب في دمار كبير داخل المدينة، مما دفع السكان إلى تفكيك الكسوة الخارجية للهرم واستخدام الحجارة في البناء.

وقد وثّق ذلك الرحالة الفرنسي أوجيه التاسع عام 1395، حيث رأى عمالًا يزيلون طبقة الحجر الجيري من منتصف منحدر الهرم. ومع إزالة هذه الطبقة، أُزيل معها 4 صفوف إضافية من قمة الهرم.

هذا قد يثير فضولك أيضًا ⇐ كيف يتمكّن المهندسون من بناء ناطحات السحاب؟

تسلق السائحين وتدمير القمة عمدًا

في أوائل القرن التاسع عشر، أصبح تسلق قمة الهرم نشاطًا شائعًا بين السائحين، وخصوصًا الأثرياء الأوروبيين الذين أرادوا التفاخر بوقوفهم على أعلى نقطة في العالم آنذاك.

وبسبب ضيق مساحة القمة، أقدم بعض المرشدين السياحيين المحليين على إزالة 5 صفوف أخرى لتوسيعها، لتصل إلى 10 × 10 أمتار، أي مساحة تعادل شقة بمساحة 100 متر مربع. بل إن بعض الصور من خمسينيات القرن الماضي تُظهر أثرياء يقيمون حفلات شاي على قمة الهرم.

نقطة التحول: ظهور علم المصريات

بعد ذلك، وتحديدًا بعد اكتشاف حجر رشيد وبداية حُمى الاستشراق الأوروبي، بدأ الاهتمام الجاد بالمحافظة على الآثار المصرية. وأصبح تسلق الهرم محظورًا، إلا لأغراض علمية بحتة. ومنذ ذلك الوقت، لم تتم إزالة أي حجر من الهرم.

وقد أكدت الرسومات التي أنجزها إدوارد ويليام لين عام 1825، والتي قورنت مؤخرًا بصور التقطت عبر الطائرات المسيّرة، أن قمة الهرم لم تتغير منذ ذلك الحين.

وبذلك، فإننا بعد قرون من العبث والتعدي، نجحنا أخيرًا في الحفاظ على ما تبقى من الهرم الأكبر، هذا الصرح الذي لا يزال شاهداً على عبقرية المصريين القدماء، ورمزًا خالدًا لحضارة لا مثيل لها في التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top