يصف ماركس القرب اليومي من أساتذته في إحدى رسائله قائلا: «من الذي يريد أن يتكلم طوال الوقت مع سفلة مثقفين! مع أناس لا يدرسون إلا لكي يجدوا مآزق جديدة في كل زاوية من زوايا الدنيا!».
أحيانا تكون هذه المآزق لا علاقة لها بالدنيا في الأساس، وهنا تكون المصيبة مضاعفة! منذ سنوات ومئات الأبحاث العلمية تنشر عن وظيفة الزائدة الدودية التي كنا نعتقد أنها بلا وظيفة، بينما هرمت.. هرمت محاولا البحث عن وظيفة واحدة، واحدة فقط لغالبية النخب السعودية المثقفة وأعود بخفي حنين.
الأنطولوجيا، الإبستمولوجيا، الحداثة، البنيوية، وغيرها من المعارك التي بدأت، وطارت الأوراق من أجلها وانتهت! ولم يحدث شيء؟ وهنا تتساءل هل هذه «عالم تستهبل؟» فبينما كانت الأمور تسير إلى طريق مظلم لم تعد شموعنا قادرة على إضاءته: فساد مالي وإداري، بطالة، «نكت» تنموية تحدث، وفاتورة وطنية تطول جدا، لم ينضو لها قلم أحد المثقفين، لا يجد حرجا في تحريكه للحديث عن زيارته لصديقه الآخر في ليلة ثقافية، أو جلوسه مع صديقه الآخر في الشانزلزيه، بينما يعتصرهم الهم الثقافي.. ياللغثيان!
يصف إدوارد سعيد المثقفين في بداية كتابه «صور المثقف» بـ «تلك الشخصيات التي لا يمكن التكهن بأدائها العلني، أو إخضاع تصرفها لشعار ما، أو خط حزبي تقليدي، أو عقيدة جازمة ثابتة». ويواصل حديثه قائلا: «بوجوب بقاء المثقف أمينا لمعايير الحق الخاصة بالبؤس الإنساني والاضطهاد، رغم انتسابه الحزبي، وخلفيته القومية، وولاءاته الفطرية».
وينهي هذا المقطع بمحاولة محترمة للشتيمة ويقول «ولا شيء يشوه الأداء العلني للمثقف أكثر من تغيير الآراء تبعا للظروف، والتزام الصمت الحذر، والتبجح الوطني، والردة المتأخرة التي تصور نفسها بأسلوب مسرحي». الأمر الذي ينطبق على السواد الأعظم من أولاد «الدوغمائية» النخبويين.
ما الذي سنقوله لشاب سيتتبع تاريخ وطنه بعد عشرات السنين ويصل إلى هذه اللحظة التاريخية، إلى مرحلة «غرق جدة»، وإلى هويات ما بعد «قطار مناحي»! ويتصفح خبرا يقول فيه الدكتور الغذامي: سأفضح مدعي «الليبرالية» فهم قمعيون ولغتهم سوقية! بل ستفضح مرحلة يا دكتور عبدالله!
بقلم: أيمن الجعفري
هنا أيضًا بعض المقترحات