“أوكي .. حبيبي”.. ردت الموظفة وهي تقدم أوراقي مبتسمة.. وظل صدى كلمتها يرن في رأسي، “أوكي” و”حبيبي” وأنا أغادر مبنى المكتب مسرورة بأن معاملتي تمت بسرعة، وبقيت مشغولة الذهن بتلك الكلمات التي لا شك أنها خرجت تعبيرا عن التلطف وكسب ودي.. ولشدة انشغالي بالأسئلة التي فجرتها في نفسي تلك الكلمة المختصرة تجاوزت سيارتي والسائق الواقف عندها!!
وبعد أن جلست في الكرسي الخلفي للسيارة مثل كل مرة، بدأت أتساءل عن “أوكي.. حبيبي” وأخواتها التي كثيرا ما يتم تداولها في الحوارات التي تدور بين الناس، سواء في العمل أو على التليفون، أو المذياع، أو القنوات الفضائية.. هل تعبر هذه التعبيرات عن ثقافتنا وهويتنا؟ أوكي حبيبي ومثيلاتها.. “أوكي حياتي”.. “أوكي عمري” …”حاضر يا عيني” ..”من عيوني يا قلبي”، والتي نسمعها ونراها مصاحبة ببعض حركات الغنج والدلع.
أتذكر أنه في برنامج جماهيري مع بداية الفضائيات، كانت هناك مذيعة تختم برنامجها بجملة مشهورة: “طيبين حلوين ونحبكم.. مممموه..” وترسل قبلة للمشاهدين تدير رأس الرجال وترسم ابتسامات عبيطة على وجوههم، وترفع ضغط النساء، ونحمد الله أن هذا البرنامج توقف فكان تأثيره أقل، ولا نعلم ماذا كانت ستبدع مذيعة هذا البرنامج لو استمر.
الفضاء العربي بالذات مليء بكثير من الجمل والعبارات التي دخلت على الخط وفي غير محلها، فمثلا في برنامج للطبخ مباشر: ترد المذيعة على السائلة أو السائل “حاضر بكرة نطبح لكم طبق المجبوس يا عيوني أو يا حياتي!!”، وبرنامج للفتوى.. تتصل المشاهدة بمقدم البرنامج الديني فتبدأ بعبارات الثناء والتودد، ولا تنسى أن تقول للشيخ “إني أحبك في الله” فتربك الشيخ وتحرج المذيع.
رجعت بذهني إلى الزمن الجميل حينما كانت العبارات فيه دقيقة ومحسوبة ومختلفة، بل تدل على البيئة التي يعيش فيها صاحب العبارة، فمثلا في الخليج هناك عبارات اختص بها أهل الحضر، وأخرى لأهل البادية، ولقطر جمل تخصهم تتغير عند أهل الكويت أو البحرين وعمان.. وهكذا، بل إن كثيرا من الكلمات والعبارات الحالية مثل “حبيبي.. حياتي.. عمري” لا تصدر إلا في مناسبات محدودة وضيقة، بل قد لا تقال أحيانا، وإذا قيلت انتقد قائلها، خاصة إذا قالها في غير موضعها، غير أن الأمور قد تغيرت اليوم، وأصبحت هذه العبارات عادية وواردة، وليست مستهجنة من البدو أو الحضر، في قطر وسائر بلاد الخليج.
فضاء.. ذكاء.. تغيير
عبارات الثناء، أو التودد والتلطف، وحتى التساؤل.. تغيرت وتحولت وأخذت أشكالا جديدة، ومختلفة قد تكون غير محببة، أو لا معنى لها في السابق، لكنها بين الأجيال الحالية متداولة ومعروفة وهي سائدة ومستساغة، فمن أين وكيف؟
هل للفضاء والقنوات الفضائية والمسلسلات والبرامج الجماهيرية دخل في شيوع هذا الأمر؟ أتذكر عبارة مثل “درب درب” كانت متداولة كثيرا بين فئة الشباب منذ عشر سنوات مضت، وهي عبارة استخدمها أحد الممثلين الخليجين في مسلسل اجتماعي فكاهي وانتشرت؛ بل أصبحت لفترة محددة متداولة ومستخدمة ورائجة جدا.
فتخيلت لو أردنا نشر كلمة أو جملة أو معنى أقرب لهويتنا وثقافتنا، فهل نحتاج لمسلسل يتابعه الشباب والأسر، أو برنامج جماهيري إذاعي أو تلفزيوني؛ بحيث نقوم بنشر العبارات البديلة بشكل لطيف، خاصة إذا تم اختيار شخصية المقدم بذكاء؟ هل يستطيع هذا البرنامج أن يغير ويبدل في شكل العبارات العامة والمتداولة بين الناس وفي المجتمعات؟ خاصة أننا مجتمعات تتأثر كثيرا بالصوت والصورة والحركة، وبوسائل الاتصال السريعة ومتناهية الصغر، وهي أقوى وسائل هذا العصر.
هل نستطيع أن نغير أذواق الناس، عندما ندخل عباراتنا الجميلة التي كنا نعرفها، ويتداولها أهلنا مثل “صبحكم الله بالرضا والسرور” أو “أهلا وسهلا” أو “تفضل” أو “عن إذنكم” وقبل ذلك “السلام عليكم” حينما نلتقي.. و”في أمان الله” حينما نفترق؟… تساؤل لم أهتد إلى إجابته، فهلا ساعدتموني.. جزاكم الله خيرا.
بقلم: مريم آل ثاني
⇐ طالع أيضًا المزيد من المقالات: