خلق الله الإنسان ليعيش في هذه الحياة يتقلب بين النعم والنقم، وجعل الكبد والعنت بعض ملامح حياتنا الدنيا، فلا ينعم فيها أحد بدوام السعادة أيًا كان، ولا يأمن تقلبها، وتغير حالها إنسان، مهما ملك من أسباب السعادة، ومهما جمع من أسباب القوة والسلطة، هكذا اقتضت حكمته من خلقنا ومرورنا بتلك المرحلة.
بينما اقتضت رحمته أن ييسر لنا من أسباب النجاة ما يمنحنا الأمل دائما أن القادم خير، وأن يمدنا بأسباب العون ما يهون علينا مر المعاناة ووحشة الوجع، ومذاق الحرمان، وكان من بين ما من الله به علينا أن سخر بعض خلقه لقضاء حاجات البعض الآخر، وأنزل الابتلاءات ويسر معها أسباب الصبر، وأوجد الحاجات وأذاق البعض معنى الحرمان ويسر له ما يسد حاجته على يد بعض خلقه.
وهنا سيدور حديثنا في فلك مساعدة الملهوف وذي الحاجة، وقيمة تلك الفضيلة، وثمارها الطيبة التي يتمتع بها قليل من الخلق، ومكانة هذه المكرمة في الإسلام.
مساعدة الملهوف وذي الحاجة
الملهوف أو ذي الحاجة كلمة واسعة تصدق على كل إنسان يمر بمحنة أو يعتري حياته كربة، ويحتاج إلى مساعدة من غيره ليتجاوز محنته ويخرج من سجن احتياجه، فالمريض الذي يضرب في الأرض من مشرقها إلى مغربها بحثًا عن الشفاء وطلبًا للعافية وأسبابها ملهوف، والفقير الذي يكابد آلم الحرمان ويتجرع كؤوس الحاجة والعوز، ويتطلع في لهفة إلى من يمد له يد المساعدة ويخفف عنه وجع الحرمان ولو لبضع لحظات ملهوف، والمدين الذي يحبسه دينه وتضيق عليه روحه ملهوف، والباحث عن عمل يقيم حياته ويعينه على معاشه، ويقويه على القيام بمسئوليات الحياة وأعبائها ملهوف، والأرملة التي تعول يتامى ويضنيها عبء رعايتهم ملهوفة، والعزباء التي تكابد آلام الوحدة ويؤرقها تسرب العمر من بين كفيها بلا مؤنس أو سند ملهوفة، إذًا كل ذي حاجة يلح في طلبها ويحلم بالحصول عليها هو ملهوف.
وللتعامل مع كل ذي حاجة ومن به شوق ولهفة إلى حلم ما أدب وضابط إنساني وديني وخلقي، وهو أن نحسن تقدير حاجته، وأن لا نسفه من رغباته وأمنياته، وأن نبشر بالخير ولا ننفر، ولا نقطع أمل محتاج، والأهم من كل ذلك أن لا نسيء استغلال احتياج الآخرين، فنغرر بهم ونخادعهم أو نوزع عليهم من الوعود ما يثلج صدرهم ويجدد ينابيع الأمل في نفوسهم، ثم نفاجئهم بحقائق تعصف بأحلامهم.
فقد علمنا النبي ألا نسرف في الوعود لأناس أضناهم الاحتياج، فنكلفهم بذلك ما لا طاقة لهم به، وأن نتق الله في كلامنا وفعالنا حتى لا نؤذي أحدا أو نتسبب في شقاء أحد.
أهمية مساعدة الملهوف
إن مساعدة الغير ومد يد العون لهم مكرمة وفضيلة يدعوا إليها الشرع وتؤيدها الإنسانية، وخاصة إذا ما صادفت مساعدتنا ملهوفًا أو محتاجًا أو مكروبًا فخففت عنه بعض مما يعاني، وكلنا في حاجة إلى تلك المساعدة، من يقدمها ومن تقدم له، فمن تُقدم له تلك المساعدة تخفف عنه بعض أعبائه، وقد تمنحه فرحة تجبر خاطره وتهدئ روعه، ومن يقدمها يحتاج إلى تلك الدعوة الصادقة بظهر الغيب، ويحتاج إلى ذلك الشعور العذب الذي يتركه العطاء، ويحتاج إليها ليقدم لنفسه ما يرجوه من الخير في الدنيا والآخرة.
ثمار تلك الفضيلة الطيبة
إن ثمار مساعدة الغير ونجدة الملهوف والمبادرة إلى تفريج كرب المكروب أو إعانة الضعيف كلها خير، وأعظم ثمارها ما يلي:
- حب الخلق والذكر الحسن بينهم، وهو علامة حب الخالق عز وجل.
- تذوق لذة العطاء، والشعور بتقدير الذات وفاعليتها.
- الأمان الذي يرجوه العبد من تقلبات الحياة وغدراتها، فكلما كان العبد مقدم على الخير والمساعدة للغير، كلما اجتمعت عليه القلوب، والتف حوله الخلق، فإذا مر بمحنة واختبار وجد من يعينه ويسانده.
- الدعاء بظهر الغيب وهو رزق عظيم وكنز دفين لكل من ساعد ضعيفا أو أقال عثرة إنسان، أو أنقذه من مكروه.
- وعد الله له بتفريج الكربات وكشف الهمم في الدنيا والآخرة، فهو الذي علمنا على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله بها عنها كربة من كربات يوم القيامة.