ما أجمل هذا اليوم الذي سُمي “جمعة”؛ يجمع الناس، يجتمعون في بيوت الله -جل وعلا-، يخرجون منها إلى بيوتهم، تلتقي الأُسَر عند كبار السن منهم، يصِلون أرحامهم، يلتقون على مائدة الطعام.
وقد يكون في بعض الأُسَر ممن يعمل دوامًا طويلا، فإنه لا يكاد يلتقي بأهله ولا بأبنائه؛ فينتظر هذا اليوم الجميل.
هذا الاجتماع تتجدد فيه العلاقات، وتتجدد فيه المحبة؛ وجميل أن يكون يوم صِلة؛ نعم، يوم صلة للرحم، حتى يصلك الله، وحتى ينسأ الله في أثرك، وحتى يمُد في رزقك، وحتى يشرح صدرك.
بعضنا -لربما- حُرِم من اللقاء مع أبناؤه وأرحامه؛ إلا في هذا اليوم.
وجميل أن نجعل هذا اليوم يوم ذكرى، يومٌ خفيف فيه الوصية. الأب يلتقي مع أبنائه فيعلمهم الآداب؛ لأننا أصبحنا في زمن صار لقاء الأبناء في الآيباد وفي الجوالات وفي الألعاب الإلكترونية والنظر إليها أكثر من النظر إلى وجوه آبائهم وأمهاتهم، ومن النظر في كتاب الله -جل وعلا- حتى احترقت عيون بعض الأطفال.
بل إننا ابتلينا -أيضًا- بالوجبات السريعة التي صار الأبناء يلتهمونها وحدهم، يأكلونها بعيدا عن حضرة أبٍ أو أم.
وجلوس الأبناء مع الآباء من أكبر أبواب غرس القيم، وزرع الآداب، وتعديل المعوج من السلوك، وتقويم الألفاظ المنحرفة، وغرس المودة بين الأبناء.
إن اللقاء الأسري يوم الجمعة هو لقاء البركة، لأنهم يأكلون من مكان واحد؛ واجتماع الناس على الطعام من أسباب حلول البركة.
ولذلك؛ نقول للآباء والأمهات إياكم أن تتنازلوا عن لقاء الجمعة خاصة، وإياك أن تذهب في هذا اليوم مهما كان إلا لأرحام.
كن مع أبنائك فإن الأبناء يعيشون غربة وهم في بيوت آبائهم وأمهاتهم، ويعيشون وحشةٍ إلا من صديق لا ندري هل هذا الصديق صادق أم أنه لربما يختلس القيم فيسرقها ويهدمها.
اجعل يوم الجمعة لتربية الأبناء على الأخلاق وعلى الأدب؛ اسأل “فلانه” هل قرأتِ سورة الكهف في يوم الجمعة؟ هل صليت يا “فلان” على رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أين وصلت يا “فلان” في تلاوة كتاب الله -جل وعلا-؟ ماذا قال الخطيب في خطبته؟ اختصر لنا يا “فلان”.
وتكون الجلسة جميلة، بمسابقة جميلة وجوائز خفيفة وجميلة؛ وضحكات جميلة لتقوى العلاقة بين رب الأسرة وبين أبنائه في الجمعة -خاصة-؛ سيكون أجمل إن كان في الأيام كلها.
لكن بعض الناس ظروفهم تجبرهم على أن يبقى اليوم الوحيد اليتيم الذي يلتقون فيه هو يوم الجمعة، فاجعلوه يوم اجتماع، يوم غسيل للقلوب من الأدران؛ حتى نلتقي هنا في الدنيا نتواصى على الطاعة ونلتقي هناك على أرائِك الجنة؛ اللهم آمين.