“الوصول إلى الأهداف المطلوبة في العمل وإنجازها بشكل منظم وسريع أمر يسعى إليه كثير من الناس رغم صعوبة تحقيقه في بعض الأحيان، كما بات الحفاظ على المستوى الجيد وإستمرارية النجاح في إستثمار الوقت معيار مهم في اختيار العاملين لشغل الوظائف.
وفي الوقت ذاته يعاني كثيرون من هدر الوقت وضياعه دون فائدة تُذكر، ما يؤخر معدلات الإنجاز وينعكس سلباً على إنتاجية العمل، خاصة إن كان المجال يعتمد بشكل أساسي على تنظيم الوقت وسرعة أداء المهام”.
لماذا يعاني البعض من هدر الوقت وتأجيل المهام؟
قال “د. عمر القطب” المدرب والمحاضر في مجال الإدارة والمهارات الشخصية. عملية تنظيم الوقت والإستفادة القصوى منه من العمليات الشائكة والصعبة على كثير من الناس، بل يمكننا التأكيد على أن أغلب المنطقة العربية تعاني صعوبات جمّة وتواجه مشكلات عديدة فيما يتعلق بالإستفادة من الوقت وإنجاز المهام دون تسويف.
وأضاف “د. القطب” قائلاً: وأما التسويف والتأجيل للمستقبل فهذه أيضاً عادة مكتسبة من برنامج عقلي يتربى عليه الإنسان منذ الصغر، حيث نجد هؤلاء الناس لا يتعاملون مع المهام إلا عند الضرورة القصوى فقط، وفيما عدا ذلك لا يعيرونها انتباههم أو يأجلون تنفيذها للمستقبل.
لكن الشخص المدرك والواعي لأهمية إدارة الوقت من ناحية ولأهمية تنفيذ المهمة دون تسويف من ناحية أخرى، فهؤلاء يُكيفون إمكانياتهم لتنفيذ المهام، فنجد هذا النوع من الطلاب مثلاً يُذاكر دروسه يوماً بيوم دون تأجيل، وذلك تبعاً لكونهم يقسمون وقتهم بشكل منهجي ومخطط، أي أنهم يُطوعون حياتهم لما يريدون تنفيذه لا العكس.
وأساس هذه الصعوبات كلها نابع من كيفية تعامل الإنسان مع الزمن وإدراكه له، فالبشر يسيرون في الحياة وفق برامج عقلية تم برمجتهم عليها منذ الصغر، ولذلك نجد أن علاقة الإنسان بالوقت تخلق لدينا نوعين من البشر هما:
إنسان In Time: وتابع “د. عمر” فإذا ما شبهنا الوقت بالسيارة مثلاً، فنجد أن هذا النوع من البشر جالسين داخل السيارة، أو بمعنى آخر أن هذا النوع من البشر يدرك اللحظة الحالية لأنه يعيش بداخلها، فهو لا ينظر إلى الماضي، ولا يدرك المستقبل، ولذلك نجد أن هذا النوع يعاني من مشكلة في الوقت، فقد يُحدد لنفسه 10 دقائق لشرح فكرة ما فيجد نفسه لم يتطرق إلى ما يريد شرحه رغم فوات الوقت المحدد دون أن يشعر، ولذلك هؤلاء الناس دائماً ما يعاني من حولهم من عدم دقتهم بالمواعيد، فهم لا يشعرون بالوقت ولا يشعرون أنهم تأخروا عن ميعاد محدد إلتزموا به سابقاً.
إنسان Through Time: وهذا الإنسان – تعويلاً على التشبيه السابق – خارج السيارة، ولذلك هو يرى الزمن بأكمله، فهو ينظر إلى الماضي والحاضر والمستقبل، أي أنه مدرك تماماً للزمن من أوله لآخره، ولذلك هو قادر على التعامل مع حياته بما فيها المستقبل، وأبسط الأمثلة على ذلك أن هذا النوع من البشر يحافظ على مواعيده بشكل كبير لذا هو صاحب مواعيد دقيقة جداً.
كيف ينتقل الإنسان من نوع In Time إلى نوع Through Time؟
أشار “د. عمر” إلى أنه بشكل بسيط جداً يمكن أن يضبط الفرد علاقته بالوقت عن طريق ممارسة تمرين بسيط جداً وسلس، وهو تحديد وقت معين لمهمة معينة وليكن ربع ساعة مثلاً، ويضبط ساعته لتنبيهه كل 5 دقائق، حيث يفيد هذا التمرين في إعادة برمجة العقل لإدراة الوقت وعدم التغافل عن مرور الوقت دون إنجاز المهمة، ومع تكرار هذا التمرين مع كل مهمة من مهام العمل أو الحياة سيعتاد العقل بصورة ما على الإنتباه الكامل للوقت وعدم تركه يتسرب دون إنجاز المطلوب إنجازه، ومن ثَم يكون الفرد قد تغلب على مشكلة هدر الوقت.
كيف نحدد ما إذا كانت المهمة أو النشاط مضيعة أو إستثمار للوقت؟
تحديد وتصنيف الأنشطة من حيث كونها مضيعة للوقت أو إستثمار له أمر نسبي يختلف من شخص إلى آخر، فقد يرى شخص أن مشاهدة فيلم ما أمر مهم ومفيد حيث أنه سيساعد في إكتساب خبرة ومعلومة ما أو الوصول إلى رسالة حياتية مهمة، في حين أن شخص آخر قد يرى أن نفس الفيلم إهدار للوقت وغير مفيد، والخلاصة أن الأمر نسبي.
وأشار “د. عمر” إلى أنه يدخل في هذ الجانب مفهوم إدارة الأولويات، فعلى الإنسان الواعي والمدرك لأهمية الوقت أن يُرتب أولوياته هو، حيث عليه البدء بالأهم فالمهم… إلخ، وفي هذا الصدد نجد أن فكرة تصميم جدول زمني خاص للمهام أمر شائع وقديم، ويعتبر جدول “ستيفن كوفي” لإدارة الوقت من أشهر الجداول الزمنية، حيث أنه ركز على التمييز بين النشاط المهم والنشاط العاجل، لأنهما ذوي أولوية قصوى في حياة الإنسان، كأن يكون على الموظف دفع تأمين للمزاد وإلا ستُحرم شركته من المشاركة فيه، ولذا فهذا أمر عاجل، أو أن يكون على الفرد دفع فاتورة الهاتف خلال 15 يوم وإلا ستتوقف الخدمة، فهذا أمر مهم ولكنه غير عاجل، وفي اليوم الأخير سينتقل من مربع المهم إلى مربع العاجل الواجب تنفيذه فوراً.
والخلاصة أن لكل شخص جدوله الزمني الخاص به تبعاً لطبيعة كل نشاط يومي بالنسبة له من حيث الأهمية والعجلة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في بعض الأحيان يتم تدريب الكوادر على تنفيذ المهام في اللحظة الأخيرة، حيث أن ذلك يخلق لديهم مهارة إدارة الأزمات المفاجئة، لأن الشخص المعتاد دوماً على ترتيب أولوياته ووقته بشكل صارم إذا ما جاءه عارض مفاجئ قد يرتبك أو لا يُحسن التصرف، بعكس من يأجلون مهامهم للحظات الأخيرة فهؤلاء يحسنون التصرف في الأزمات، ولذلك نجد بعض الشركات تطلب من موظفيها تنفيذ مهام معينة في اللحظات الأخيرة وذلك بدافع خلق روح التعامل مع الأزمات عندهم.
ما أهم النصائح التي تساعد في تحسين إدارة الوقت؟
اختتم “د. عمر القطب” قائلاً: النصائح في الاهتمام بالوقت وإدارته كثيرة، وأهمها:
- الإعتراف الكامل بوجود مشكلة في هدر الوقت وعدم الإستفادة منه في إنجاز المهام، فهذه أول خطوة للتغيير.
- ممارسة التمرين المذكور آنفاً حتى تُعاد برمجة العقل للإهتمام بالوقت والتنبه للزمن.
- ترتيب الأولوليات، ووضع خطة زمنية محكمة لتنفيذ كل مهمة على حده، وذلك بهدف التغلب على التسويف والتأجيل والهدر.