كانت العرب إذا أرادت الدعاء على شخص تقول: رغم أنف فلان “أي لصق بالرغام” وهو التراب. لماذا؟ لاعتبارات جمالية عندهم، ولتوسط الأنف في الوجه فقد قال: الأصمعي: الملاحة في الفم، والحسن في العينين، والجمال في الأنف، والغريب أن العرب أعجبوا بالأنف الروماني وفضلوه على سائر الأنوف العربية وهو ما يسمى «بالأشم» كما قال حسان بن ثابت في الغساسنة: «شم الأنوف من الطراز الأولِ».
وكليوباترا التي نجحت في الحصول على قلب أقوى عظيمين في ذلك الوقت هما يوليوس قيصر ومارك أنطوني، قال عنها الكاتب الفرنسي باسكال في كتابه الخواطر«لو كان أنفها أقصر مما كان عليه لغير وجه العالم!»، فالمعروف أن أنفها كان طويلا!
هذا الهوس الذي ينتاب الرجل لتحديد مقاييس لوجه المرأة، يعتبر أمرا مشتركا في سائر الجنسيات، فمحمد التابعي الملقب بأمير الصحافة المصرية عندما تحدث عن حبه الجامح للمطربة أسمهان في كتابه «أسمهان تروي قصتها» قال «كانت فيها أنوثة لكنها لم تكن جميلة في حكم مقاييس الجمال. فوجهها مستطيل وأنفها كان مرهفا أكثر بقليل مما يجب، وطويلا أكثر بقليل مما يجب، وفمها كان أوسع بقليل!».
وأحيانا يقف الرجل موقفا مغايرا من المرأة التي تسعى ألا يقال في حقها «أنفها أطول مما يجب!». ففيروز لم تكن راضية عن أنفها، إذ أجرت عملية تجميلية لأنفها الطويل، الأمر الذي لم يحبذه زوجها الرحباني واعتبره نقلة نوعية لها نحو الثقة فى النفس!
والطريف أنه في تلك الأثناء قام إعلامي إذاعي مبدع ردد في برنامجه قصيدة تحمل عنوان «يا أنف فيروز الجميل» كان هذا الشاعر يعتقد أن صوتها الحلو الرخيم يخرج من أنفها لا من حنجرتها!
ويبدو أن المرأة أدركت افتتان الرجل بالأنف، وأنه كما هو موضع عزتها وكبريائها هو موضع جمالها أيضا! وسعت، كما فى هذه القصة المؤلمة، لنيل رضاه عنها بشكل مهووس! فعندما قدم «هدبة بن خشرم» للقصاص نظر إلى امرأته فدخلته غيرة وكان أنفه قد جُدِع في الحرب! فقال «فإن يكُ أنفي بان منـه جماله / فما حسبي في الصالحين بأجدعا، فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا / أغمّ القفا والوجــه ليس بأنزعا». فقالت: قفوا ساعة!
ثم مضت ورجعت، وقد قطعت أنفها، فقالت: أهذا فعل من له في الرجال حاجة؟ فقال: الآن طاب الموت!
هذه القصة وقعت بإرادة المرأة واختيارها، لكنها لو وقعت بغير رضاها لرأيت الفجيعة الإعلامية التي ستتبعها، كما في قصة الفتاة الأفغانية عائشة التي ظهرت مجدوعة الأنف على غلاف مجلة «تايم» الأمريكية. وفازت الصورة بجائزة عالمية في العام الماضي. وتعود قصتها إلى أن عائشة تعرضت بموجب أمر من قائد طالباني إلى جدع أنفها وقطع أذنها العام الماضي عقابا لها على الفرار من منزل زوجها، وهكذا احتل الأنف مكانة في قائمة العقوبات ضد المرأة!
بقلم: فوزية الخليوي
وهنا تقرأ المزيد