هي الصحابية الجليلة أم حرام بنت ملحان من بني النجار، وهي خالة الصحابي الجليل أنس بن مالك (رضي الله عنه)، وزوجة الصحابي عبادة بن الصامت (رضي الله عنه).
في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فتحت العديد من البلدان ذات مناطق ساحلية واسعة؛ كبلاد الشام، وبلاد فارس، ومصر والعراق، وطرابلس، فكان لزاما على المسلمين حماية سواحل تلك المدن من هجمات الأعداء عن طريق البحر، فبدأ المسلمون بتحصين الحصون وترميمها في تلك المناطق، وتعيين الحراس على أبراجها، ليتولوا مراقبة البحر؛ لحمايتها من الهجمات، فكانت تلك الخطوة الأولى في تعامل المسلمين مع البحر وبقيت تلك السياسة الدفاعية قائمةً إلى خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، عندما أمر الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) بأن يحصن السواحل في الشام، ويرممها، كما طلب منه معاوية تأسيس أول أسطول بحري يتجه لفتح قبرص، وقد شارك في ذلك الأسطول العديد من الصحابة، وكان ممن شارك في ذلك الأسطول الصحابية الجليلة أم حرام بنت ملحان (رضي الله عنها).
ركبت (رضي الله عنها) البحر مع زوجها وبعض صحابة النبي ﷺ في سنة ثلاث وعشرين من الهجرة النبوية، متوجهين إلى قبرص لنشر دين الله تعالى، فقد كانت أم حرام (رضي الله عنها) في شوق للقاء ذلك اليوم بعد بشرى النبي ﷺ لها؛ ففي ذات يوم دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَطْعَمَتْهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ في سبيل الله مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ.
وصل المسلمون إلى قبرص، وشهدت أم حرام (رضي الله عنها) الصلح الذي جرى بين المسلمين وبين أهل قبرص، ومكث المسلمون هناك مدةً تمكنوا فيها من تعليم أهل قبرص تعاليم الدين الإسلامي، وبعد انتهاء المدة نادى المنادي للرحيل والتوجه إلى ساحل البحر ليركبوا قواربهم، ويعودوا إلى بلادهم، فكانت أم حرام (رضي الله عنها) تركب دابتها، وتسير قرب زوجها عبادة بن الصامت (رضي الله عنها) باتجاه الساحل ليركبوا القوارب، فسقطت عن ظهر دابتها (رضي الله عنه) ونطقت الشهادة وفاضت روحها إلى الله تعالى عن عمر ست وثمانين سنةً، ودفنت هناك (رحمها الله تعالى) ، فنالت بذلك الشهادة ولقبت بشهيدة البحر (رضي الله عنها).