يقول قائل:
الصّومُ جُنَّةُ صائمٍ مِن مَأْثَمٍ
يَنْهى عن الفَحشاء والأوشابِ
الصّومُ تَصفيدُ الغرائزِ جملةً
وتُحررٌ من رِبْقةٍ برقابِ
ما صّامَ مَنْ لم يَرْعَ حقَّ مجاورٍ
وأُخُوَّةٍ وقَرابةٍ وَصِحابِ
مَا صَامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيبَةٍ
أو قَالَ شراً أو سَعَى لِخرابِ
ما صَامَ مَنْ أدّى شَهادةَ كاذِبٍ
وَأَخَلَّ بالأَخْلاقِ والآدابِ
كَمْ مِنْ صيامٍ ما جَنَى أصَحابُه
غيرَ الظَّمأ وَالجوعِ والأتْعابِ
وهذا من أجمل الأبيات التي تلخص وتشمل كافة الأمور المكروهة والمنهي عنها في رمضان وغيره، ولكن تتأكد الكراهة وتزيد الحرمة والقبح في شهر رمضان، لأن فعلها يشوب الصيام ويشوهه، ويجرده من جوهره، فيحرم صاحبه من الأجر، ولا يناله من صومه إلا المشقة الحاصلة من الجوع والعطش.
فالصوم له آداب وله حرمة والالتزام بتلك الآداب من شأنه أن يجعل الصوم تامًا صحيحًا ومظنة القبول من الله عز وجل، والتورط في ضدها من المكروهات والمنهيات او في بعضها يقدح في تمام الصيام وينقص من الأجر ويستوجب المؤاخذة، وقبل أن نذكر أمثلة من تلك الأمور المكروهة يمكننا القول إجمالًا أنه يكره في رمضان كل ما يكره في غيره من سوء القول أو الفعل مما لم تدع إليه شريعتنا الغراء ولم تنادِ به عقيدتنا السمحة.
أهم الأمور التي تشوب الصيام وتمامه
قول الزور والعمل به: قول الزور يشمل كل قول يخالف الحقيقة وينطوي على الكذب، فهو من الأمور المنهي عنها بل هناك تشديد ووعيد في شأنها، وهذا بصفة عامة ومن باب أولى في شهر رمضان وحال التلبس بالصيام، وقد دل على ذلك ما روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعَمَل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه » [رواه البخاري].
الجهل في القول أو الفعل: والجهل يشمل كل قول يتنافى مع الشريعة والعقيدة، كسب الدين والعياذ بالله والقول على الله ما لا يليق، والجهل في الفعل أيضًا يشمل فعل كل ما هو محرم مثل محادثة امرأة أجنبية والخروج عن حدود المباح او استباحة الكلام الفاحش أو لمسها أو تقبيلها مما لا يبطل الصيام ولكنه ينافي مقاصده
السب أو القذف أو الشتم: السب أو القذف أو رمي الناس بالباطل أو الشتائم والتلفظ بألفاظ نابية حال التلبس بالصيام لا يفسده ولكنه يخل بالأجر ويستوجب من الله العقاب، وقد دل على ذلك الحديث الشريف: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ، ولا يسْخُب فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إنِّي امرؤ صائم)
الغيبة والنميمة: الغيبة والنميمة من اسوأ الأخلاق وقد بلغ من قبحها ما جعل القرآن الكريم يشبهها بأكل لحم المسلم ميتًا، فيجب الانتهاء عنها تمامًا وخاصة أثناء الصيام، لأن الصوم ليس معناه الامتناع عن الأكل والشرب وشهوة الفرج فقط بل من ضمن معانيه صيام اللسان عن كل ما حرم الله من الأقوال، والامتناع عن الخوض في أعراض الناس، فإن كان الصيام امتناع عن المباح فهو من باب أولى امتناع عن المحرم، وكل ما سبق ذكره من ألوان الكلام محرم شرعًا، ترفضه الشريعة ويأباه الخلق القويم.
ترك الصلاة: البعض يلزم الصيام ولا يكاد يترك يومًا واحدًا ولكنه يضيع الصلاة، ويهجرها، ويحتج بأن الصلاة والصيام عبادتان منفصلتان، والحقيقة أن ترك الصلاة قد لا يفسد الصوم ولا يبطله لكنه يحمل على التارك وزرًا عظيمًا لا ينفيه عنه الصوم، ويفوت فضائل كثيرة.
التبذير والإسراف في الطعام والشراب: التبذير من أقبح الأخلاق لأنه يترتب عليه إهدار نعم الله مع وجود بعض خلق الله المحتاجين لها أشد الاحتياج، فكيف يكتمل أجر الصائم وهو يهدر نعمة وهناك من لا يجد قوت يومه، ويكفي لوصف قبح التبذير والمبذرين أن الله عز وجل وصف المبذرين بأنهم اخوان الشياطين، لذا يجب على المسلم الذي أسلم لله وخضع لأوامره وترك لأجله طعامه وشرابه ان يكون حريصًا على سلامة وتمام صومه، ليلقى الله به تامًا مقبولا بإذن الله خاليًا من المؤاخذة والعتاب، فضلا عن العقاب.
إيذاء الغير بالقول أو الفعل: من أشد الأمور المكروهة أن يبطش الصائم بغيره ممن هو أضعف منه أو أقل حيلة، فيحمل على عاتقه حق هذا المظلوم، سواء كان ظلمه بالقول أو الفعل، فيكون أجر صيامه لغيره واثم ظلمه في عنقه.
وأخيرًا: فهذه الكلمات تذكرة لك عزيزي القارئ أن تحسن إلى نفسك وتتقن صومك، وتكف جوارحك عن كل أمر يغضب الله عز وجل، وكل فعل مستنكر يجرح الصيام أو يقدح فيه، ليكون صومك حجة لك لا عليك، وإياك إياك أخي الكريم أن تجعل كل حظك من صيامك الجوع والعطش، فليس لله حاجة في جوعك أوعطشك.