وصل الحال بنا إلى أن السلوكيات التي يقوم بها المجرمون والمختلون عقليا أصبحت في نظر بعض الشباب ألعابا مثيرة ومسلية حتى لو كانت ستؤدي بهم للموت، فنجد شبابا يشنقون بعضهم على سبيل الهزار وبعضهم يتنافسون في تعاطي الهيروين كنوع من البطولة وآخرين يقفزون في النيل من أعلي الكباري لمجرد الاقتراب من رائحة الموت، أما السباقات الجنونية بالسيارات على الطرق السريعة فعدد ضحاياها يزداد كل يوم وخرجت من إطار المنافسة إلى القتل والانتحار.. في السطور القادمة سنلقي الضوء على هذه السلوكيات الشاذة ولكن يبقي السؤال: إلى متى سنظل نتعامل مع مراهقين وشباب على أنهم صغار وساذجون حتى ولو كانوا قتلة، إن لم يكن لغيرهم فعلي الأقل لأنفسهم؟
نبدأ بضحايا لعبة المشنقة أبرزهم كان بطلا رياضيا ولاعبا بمنتخب مصر لكرة الماء، كانت نهايته المأساوية في غرفة أحد أصدقائه عندما حكم على نفسه بالإعدام شنقا بحبل غسيل ربطه بسقف الحجرة من باب اللعب والهزار وحب التجربة، أما الضحية الثانية فكان طالبا في الثانوية العامة بدسوق بمحافظة كفر الشيخ والذي وجدته والدته مشنوقا في حجرته بايشاربها الخاص.. حوادث كثيرة تكررت وسجلتها محاضر البوليس لتكشف لنا عن ظاهرة خطيرة غير مأمونة العواقب..
واللعبة باختصار عبارة عن حبل أو إيشارب يتدلي من سقف الغرفة ويقوم الشاب المغامر بلف هذا الحبل حول رقبته في أثناء وقوفه على كرسي وحوله مجموعة من اصدقائه المتفرجين أو المشجعين. ثم يزحزح الكرسي من تحت قدميه لتبدأ عملية الشنق أو الاختناق وفي هذه اللحظة يحتبس الدم في العروق ولايصل للمخ لتنطلق فعاليات رحلة الاحتضار والموت ثم يسارع أصدقاؤه
بإنقاذه بعدما يدخل في حالة غيبوبة تامة.. وعندما يفيق المغامر يصبح بطلا ويحكي عن رحلته في عالم الأموات، هكذا بكل بساطة؟
والغريب أن لهذه اللعبة مبادئ وأسسا فمن أهم قواعدها ألا يتم إفشاء أسرارها عندما يموت أحد مغامريها.. ومن ناحية أخري فقد أصبحت تمارس بشكل جماعي ويتنافس فيها أعداد كبيرة من المراهقين.
ويتحدد الفائز فيها بناء على قدرته على التحمل والبقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة بعد الدخول في حالة الغيبوبة وزرقة الوجه وانقطاع التنفس.. يقول أحمد المسيري 17 سنة: تعرفت على لعبة المشنقة من خلال مواقع الدردشة على الإنترنت عندما كنت أجري حوارات ومناقشات مع بعض أصدقائي العرب ثم أعجبتني فكرتها ووصل بي الأمر لدرجة أنني كنت أمارسها بدافع التجربة وحب الاستطلاع في منزل أحد أصدقائي.
أما يحيي الملا – 18 سنة فيقول: الفضول وحب المغامرة وراء قيامنا بهذه اللعبة.. وأهم ما يميزها أن لها تأثيرا يشبه إلى حد كبير تأثير المخدرات!
ويضيف أحمد صقر – 19 سنة – أكثر من يمارس هذه اللعبة هم الشباب والمراهقون وأغلب الظن أنهم نقلوها عن الأمريكان من خلال شبكة الإنترنت.
ويعترف محمد الشاذلي – 16 سنة – بأنه كان يشاهد أصدقاءه وهم يمارسون لعبة المشنقة وقد توفي بسببها أحد زملائه للأسف.
أما سليم النواس – 17 عاما – فيقول: بصراحة الدافع الأساسي في ممارسة هذه اللعبة هو تذوق طعم الموت.
وننتقل من حبل المشنقة إلى لعبة أخري لاتقل خطورة وهي تناول جرعات هيروين لأول مرة على سبيل التجربة مما يؤدي للموت المفاجئ أو الإدمان على أقل تقدير. ولكن يبدو أن المخدرات لم تكن كافية لإشباع فضول الشباب والمراهقين نحو المغامرة حيث وصلت حالة الهوس والجنون لدرجة المجازفة بالقفز في النيل كنوع من استعراض القوة والشجاعة وهذا ما تعاني منه شرطة المسطحات المائية التي حاولت كثيرا إنقاذ العديد من الحالات وان كانت هناك حالات قد غرقت بالفعل.
ولو انتقلنا إلى طريق المطار او السادس من أكتوبر سنجد سباقات الموت التي تتراوح أعمار عشاقها مابين 19 و27 عاما، وقد أجمع هؤلاء الشباب الذين يمارسونها على أن هدفهم الأساسي منها هو استعراض قوة الموتور وموديل السيارة والثقة والاتزان في قيادتها أو قوة تحملها في حالة عرضها للبيع.
ومن اشكال هذه اللعبة أن ينطلق الشاب بالسيارة بسرعة كبيرة جدا ثم يفرمل بشكل مفاجيء في اثناء الدوران ليرسم شكلا دائريا على الاسفلت وقد تسببت هذه السباقات في موت العديد من الشباب ولعل اشهر حوادثها ذالك السباق الذي اشتعل بين امير قطري وشاب مصري وقد ادي لوفاة عدد من المتفرجين على جانبي الطريق.
ولخطورة هذه الألعاب التي باتت تشكل ظاهرة قابلة للانتشار مع استمرار حالة السلبية والاحتكاك المباشر بأنماط ثقافية شاذة.. كان علينا أن نحلل جوانبها وأسبابها مع علماء النفس والدين وخبراء الاعلام.. حيث يقول د. على موسي استشاري الأمراض النفسية والعصبية: يعاني الشباب حاليا حالة فراغ نفسي وثقافي وعقلي وسياسي ..
ومع الاحساس بفقدان الأمل في تحسن الأحوال والظروف المحيطة به.. يندفع تلقائيا للقيام بسلوكيات غير مشروعة لقضاء وقت فراغه.. ومنها لعبة المشنقة التي تؤدي إلى حالة الغيبوبة والانفصال الجزئي عن الواقع المليء بالهموم أو النشوة الكاذبة.. وهي حالة مشابهة إلى حد كبير لحالة مدمني العقاقير والخمور.. ولعل مما يزيد من انتشار هذه الألعاب الضارة بين الشباب هو حب التقليد والمغامرة.
أما د. ناجي جميل طبيب نفسي – فيقول : تتسم فترة المراهقة بحب التجربة واستعراض الشجاعة والجرأة والانفعال الزائد.. لذلك تزداد فيها مجموعة من السلوكيات غير الطبيعية والتي تعكس اضطرابات في سمات الشخصية ومنها الدوافع الانتحارية غير المدركة والتي تعد من اسباب لجوء بعض الشباب لألعاب الموت.
وهذه الدوافع الكامنة هي بمثابة اعلان عن عدم الاهتمام بالحياة مطلقا وافتقاد الشعور بأهمية الذات.. والمطلوب الآن لحماية الشباب من الانخراط في هذه السلوكيات هو دفعهم لتفريغ طاقاتهم في أعمال مفيدة للمجتمع. ومن خلال الحوار والتفاهم وتفعيل دور الأسرة والاعلام يمكن أن ننشيء أجيالا قادرة على المواجهة والتصدي للقيم السلبية
أما د. صفوت العالم: استاذ الاعلان والعلاقات العامة بكلية الاعلام بجامعة القاهرة -سابقًا- فيعلق قائلا: للأسف الشديد يقوم الاعلام المصري بتقديم الظواهر الغريبة والألعاب الضارة بشكل مبهر وبراق ولافت للانتباه مما يدفع الشباب لتقليد مثل هذه الألعاب أما الجهات الرقابية والمسئولة فتترك الحبل على الغارب للإعلانات والبرامج التي تحمل قيما سلبية مثل المصارعة والجيم وغيرها لكي تؤثر على أفكار الشباب وتغرس فيهم العدوانية والمخاطرة بكل شيء حتى الحياة.
ويقول د. فكري حسن اسماعيل وكيل وزارة الأوقاف سابقا وعضو المجلس الأعلي للشئون الاسلامية: خلق الله الانسان وفضله على سائر خلقه وكرمه حيا وميتا وفي ذلك قال ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ويقول ايضا ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقال ولاتقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما، وهناك آيات كثيرة تدلل على أنه لايجوز لأي انسان أن يقوم بأي سلوك من شأنه أن يؤثر على صحته أو بدنه أو حياته بشكل عام وذلك لأن الإنسان ليس ملكا لنفسه وإنما ملك لله.
تحقيق: نادية فؤاد – إيمان سعيد
المزيد من التحقيقات: