أسفي على هذا الإنسان، فمنذ نزوله إلى الأرض وهو يكرر ذات الخطيئة: يفقد الفردوس بجدارة ويكرس في وجدانه الدم والخطايا والحزن، يذهب بعيدا في فرديته ويقوض الفردوس على رؤوس الضعفاء، يحول كل أخضر إلى جحيم.
في الأدب، لا يمكن أن تصف مشهد «شرطي» يصوب رصاصة إلى جسد لا يعرفه، لم يتقاطع معه للحظة، ولم يسأله عن اسمه الذي لا يعرفه، ولا عن هواياته التي يجهلها، جسد غريب عنه، مجرد جسد، ناهيك عن «الروح»، تلك التي ترفرف بشكل دائم خارج سرب الدم.
في القصائد، بطريقة صارمة وعميقة، يرفع الشاعر رأسه نحو السماء، يحاول، ربما، أن يتخيل المشهد: دم ينفجر دون أن يفهم الضحية، ودون سبب وجيه، أو حتى تافه، يبرر للقاتل ما يفعله. الشاعر يريد، كمحاولة لتجنب المآزق الكثيرة في المشهد، أن يكتب عن «الرصاصة»، يريد أن يضعها في إطار خاص ثم يقدمها للضحية كذكرى، أو للقاتل كلعنة.
في الفن التشكيلي، لا يجد الرسام لونا أحمر، لا يجده لأن الرصاصة تتشرب ما يحيط بها: الهواء وفحيح الجهل الذي يدفعها باتجاه عشوائي تماما، واللون الفاقع الذي كان شاهدا على جنون الإنسان. يضع الفنان صفحة بيضاء على وجه الشرق المتجهم، في الشقوق يبحث الشرقيون عن الحب؛ يمرون بأطوار عديدة في حيواتهم ليس من بينها ما أدمنوا البحث عنه. يمرون بكائن غريب عنهم أصبح كثيرا لأنه عرف الحب، ثم يبتعدون عنه سراعا كي لا تصيبهم عدواه: ما جدوى أن نجد ما نبحث عنه؟ أليس في ذلك هلاكنا؟!. ثم ينامون في لوحة الفنان المستغرق في تأمل رصاصة كانت تستعصي على الرسم لأنها بلا هدف.
في قناني الورد، تتعثر الأم في سؤالها عن معنى العطر عندما يتفشى الرصاص؟. قليلا ما تألم الجندي، وقليلا ما انتقمت الضحية. في حكاية شرقية قديمة يصف الماء الأمهات بأنهن العطر المحرم على القاتل، دموعهن من سحاب وقلوبهن من صلاة.
في كل الحكايات تتكرر تعويذة الورد لأعنة الطريق المكررة الأشد قسوة من جميع المشاهد السابقة: طفلة تتأرجح بين رصاصتين، عندما تسقط صريعة خزيهم، سيختفي العطر من هذا العالم، وأي من الأمهات لن يفرقن بين قناني الورد وبين بوصلة تهدي الطيبين إلى مصارعهم.
بقلم: حامد بن عقيل