الحمد لله الذي اصطفانا بالإسلام وأنعم علينا بنعمة الإيمان، فجعل الطريق أمامنا واضح المعالم، خيره بينٌ وشره كذلك، لا خلط ولا لبس فيه، وما التبس علينا من أمر فينبغي أن نسأل عنه أهل الذكر ونتبين الحق من الباطل، وهنا سوف نحاول معا لفت النظر إلى أمر من الأمور التي ظهر قبحها واضحًا جلياً ومع ذلك، يلتبس على البعض، يزينها لهم الشيطان، فيقعون فيها، وقد نهينا عنها أشد النهي، بل بلغ من قبحها أن تبرأ الإسلام منها، ونسأل الله أن ينفعنا جميعا بما نكتب ويجعل عملنا خالصا لوجه الكريم.
تحريض المرأة على زوجها
تحدث بين الرجل وزوجته كثيرًا من المشكلات والخلافات التي تصل إلى النزاع والشجار، ويلجأ الزوج والزوجة أحيانا لطرف ثالثٍ يشكوان له ما حدث، فقد تلجأ المرأة إلى صديقةٍ أو أختٍ أو قريبٍ، فيرى أن زوجها مخطئ ٌفي حقها، فيحرضها ويؤجج نار الخلاف أكثر، ويقويها على زوجها، فبعض النفوس المريضة حين تأتيها تلك الفرصة تستغلها كأسوأ ما يكون الاستغلال، فيزيد هوة الخلاف بين المرأة وزوجها، ربما بدافع الحقد أو الحسد، أو بدافع أخبث من ذلك، كرغبة هذا الشخص في التفرقة بين الزوجين لهوى في نفسه، أو لرغبة الاستئثار بقرب هذا الطرف، وللأسف الشديد فإن هذه المفارقات أصبحت تحدث كثيرًا في حاضرنا المعاصر.
هذا العمل محرمٌ في ديننا، مستقبحٌ في شريعتنا، ترفضه المروءة وتأباه الفطرة القويمة والخلق السوي والنفوس السليمة، ويقال عمن يفعل ذلك أنه “خبب” امرأة على زوجها.
وخبب بتشديد الباء أي أفسد وخدع، وهذا الفعل من إفساد العلاقة ما بين الزوجة وزجته يكون بذكر مساوئه وتضخيمها وتشويه الصورة، وتصعيب الاستمرار في العلاقة، وهذا من أبشع الفتن، وهو تشبه بالشياطين وأفعالهم الخبيثة، فالتفريق بين الزوجين جرم شيطاني لا يغتفر.
لأجل ذلك وأكثر حرم النبي هذا الفعل وأخبر أنه -عليه السلام- ودينه وأمته براء ممن تسول له نفسه هذا لأمر، وتحدثه بهذه المعصية، وكون النبي يتبرأ ممن يفعل هذا الأمر فهذا دليل على بشاعته وسوء عاقبته. وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ليس منَّا من خبب امرأة على زوجها أو عبدًا على سيده).
لماذا تبرأ الإسلام ممن يفعل تلك المعصية؟
الأسرة بناءٌ قائمٌ على ميثاقٍ غليظٍ، وعهدٍ وثيقٍ بين الزوج والزوجة، ومن ثم فإن الحفاظ على هذا الميثاق الغليظ شرف، والجهاد لأجل استمراره عزة وقوة.
أمر الإسلام كل من الزوجين بالصبر على ما يبدو له من مساوئ شريكه، وتقويمها وإصلاح اعوجاجها بالحكمة والرفق واللين، فإن تعذر الإصلاح فالعبد مأمور بالصبر ومحاولة التكيف بقدر المستطاع، وكل هذا بغرض استمرار الحياة الزوجية وحفظ استقرارها ودوامها.
وقد شدد الإسلام على الصبر على الزوج والعكس كذلك، لأن في اجتماع الزوجين واستمرار كيان الأسرة صلاح الزوجين، والأبناء، وفي تفرقهما ضياع للأبناء ومشقة كبيرة عليهما، وأثرا سلبيا كبيرا جدا من الناحية النفسية والمادية والاجتماعية أيضاً.
كما أننا لو افترضنا أن تفرق الزوجين فيه مصلحة لهما، فإن قيام علاقةٍ جديدةٍ على حساب العلاقة الأولى فيه ما فيه من التشوه والارتباك والشعور بالذنب، وكلها مشاعر تعكر صفو العلاقة وتهددها بالفشل.
يعتبر التفريق بين الزوجين من أعظم المفاسد وأحب الأعمال إلى إبليس وأعوانه، فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثم يجيء آخر، فيقول فعلت كذا وكذا فيقول له: ما صنعت شيئًا فيأتي ثالثٌ، فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه.
وهذا يعلمنا أدبًا هامًا وهو أن المسلم ينبغي أن يجعل مبدأه العام الإصلاح بين الناس، وتأليف القلوب، وسد أبواب الفتنة وإذا كان هذا مطلوبًا مع كل الناس فإنه مع الزوجين من باب أولى، فحين تشكوا الزوجة زوجها، يجب أن تجد ممن تشكو إليه التهدئة وتبسيط المشكلة، والبحث عن الحل، دون تحريضٍ أو تشويهٍ، فهذا لعمري ذنبٌ عظيمٌ يفعله الكثير دون أن يدري مدى خطورته، ولا يتصور عظم الذنب عند الله عز وجل. وأخيرًا قل خيرًا أو لتصمت، ولتجعل كلامك دائمًا يبني ولا يهدم، يرفع ولا يخفض، يصلح ولا يفسد.