حديثنا اليوم عن أفضل الأعمال المستحبة في شهر شعبان وأيام الصيام فيه التي ذُكِرَت في كُتب السُّنَّة والحديث. لِم لا، وما أدراكم ما شهر شعبان. فهو شهر تمهيد للأعمال الصالحة في رمضان. التي نسأل الله ﷻ أن يبلغنا إياه. نسأل الله ﷻ أن يبلغنا جميعا رمضان، وأن يجعلنا من صوَّامة وقوامه، إيمانا واحتسابا. وأن نكون فيه من المقبولين عند الله ﷻ. وأن يعتق رقابنا فيه من النار؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أفضل الأعمال المستحبة في شهر شعبان
شهر شعبان فيه من الأعمال المستحبة ما ساقته لنا السيرة النبوية وكتب الحديث والسُّنَّة المطهرة. وسنذكر لكم هنا ما أفرد العلماء الحديث فيه؛ فمنها:
الصوم
نعم، فالصوم أول هذه الأعمال المستحبة. فكان النبي ﷺ يصوم أكثر هذا الشهر. وتقول أم المؤمنين عائشة، في الحديث الصحيح، الذي أخرجه البخاري في صحيحه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.
لذا؛ فإن من السُّنَّة أن نصوم أكثر هذا الشهر، كما كان النبي ﷺ يصومه. قال العلماء في ذلك: إن صيام هذا الشهر هو راتبة وسُنَّة لشهر رمضان الكريم. كما أن للصلاة المفروضة سُّنَّة قبلية وسُّنَّة بعديه؛ فكذلك للفرض من رمضان سُّنَّة قبلية، وهي صيام أكثر هذا الشهر. هذا السنة القبلية.
أما السنة البعيدة فهي صيام ستة أيام من شهر شوَّال.
وأيضًا ذَكر العلماء فائدة أخرى وهو توطين النفس على الصيام في هذا الشهر، حتى تتهيأ النفس للصيام في شهر رمضان المبارك. فيكون صيام شهر رمضان سهلا على النفس وليس صعبا عليها. لأنه قد تمرن على الصيام في هذا شهر شعبان.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: وفي صومه ﷺ شعبان أكثر من غيره ثلاث معاني:
- أحدهما: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شغُل عن الصيام في بعض الأشهر، فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل صيام الفرض.
- والمعنى الثاني: أنه يشبه سنة الفرض قبلها.
- والمعنى الثالث: أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله. فيحب النبي ﷺ أن يرفع عمله وهو صائم.
هذه ثلاثة معاني ذكرها ابن القيم -رحمه الله-.
إذا من الفوائد العظيمة في هذا الشهر أنه تُرفَع فيه الأعمال الصالحة إلى الله ﷻ. ولذلك؛ فهو موعد سنوي تُرفَع فيه الأعمال.
عموم الأعمال الصالحة في شعبان
بالإضافة إلى ذلك -وهو الصيام- كان السلف الصالح لا يهتمون بالصيام فقط أيها المسلمون. بل كانوا أيضا يهتمون بالأعمال الصالحة الأخرى كقراءة القرآن الكريم، والصدقات، والنوافل… وغيرها من الطاعات. حتى يعودون أنفسهم أكثر على الطاعات.
ونخصّ القرآن الكريم. فكثير من الناس لا يختم ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان. وهذا هجر للقرآن الكريم.
فينبغي أن نعوّد أنفسنا على الطاعات من الآن، حتى نهيئ هذه النفس. إن لم نهيئها للطاعات لم تتهيأ لنا أبدا.
لا بد من أن نهيئ هذه الأنفس -أيها المسلمون- وندربها ونعودها على الطاعات. حتى نأتي رمضان وتزيد طاعاتنا لله ﷻ.
متى تُرفَع الأعمال إلى الله؟
وبخصوص رفع الأعمال إلى الله ﷻ. لنعلم أيها المسلمون أن الأعمال تُرفَع الأعمال إلى الله ﷻ في ثلاث حالات أو ثلاث مراحل:
- الرفع الأول: وهو رفع يومي. وذلك يكون في صلاة الفجر وصلاة العصر. يقول النبي ﷺ «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون». وهذا مما يدل على أهمية أهمية هاتين الصلاتين؛ وهي رسالة لمن يتأخرون عن صلاة الفجر أو لا يحضرون صلاة الفجر مع الجماعة.
- الرفع الثاني: وهو رفع أسبوعي. وهو كل يوم خميس، ليلة الجمعة. فقد روي عن النبي ﷺ في حديث أبو هريرة؛ أنه ﷺ قال «إن أعمال بني آدم تُعرَض كل خميس ليلة الجمعة؛ فلا يُقبَل عمل قاطع رحم».
- الرفع الثالث: وهو في شهر شعبان. شهركم هذا الذي أنتم فيه. فقد سأل ابن زيد -رضي الله عنه- قال؛ قلت: يا رسول الله ! لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
لذلك حري بنا -معاشر المسلمون- أن نكون أكثر صياما في هذا الشهر حتى تعرض أعمالنا على الله ﷻ ونحن في حالة طاعة، في حالة صيام لله ﷻ، اقتداء بحبيبنا محمد ﷺ.
أهمية شهر شعبان
ولقد نبَّه النبي ﷺ على أهمية شهر شعبان بالعمل الصالح فيه، وخاصة الصيام. لأنه كان فيما قبل؛ أيام الجاهلية وغيرها، يهتمون بشهر رجب. فنبَّه النبي ﷺ إلى أن الأهم في العمل الصالح هو شهر شعبان.
فقد روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ذُكِر لرسول الله ﷺ أناس يصومون شهر رجب. فقال ﷺ «فأين هم عن شعبان؟».
إذًا أحبتي؛ أولى أن نهتم بشهر شعبان هذا، حتى نمهد لأنفسنا في رمضان، وأن نتعود على الصيام في رمضان. لأن الذي يبدأ بالصيام في رمضان ويترك شعبان فإنه يكون ثقيلا عليه، خاصة في بداية الصوم. فتكون ثقيلة على النفس، ولا يتعود على الطاعة إلا في آخر الشهر. لكن عندما يعود نفسه في شعبان، فإنه يأتي رمضان وقد تعودت نفسه على الصيام فيكون الصيام سهلا عليه، ويتلذذ بالطاعة لله ﷻ.
ختامًا؛ كان هذا مقال عن أفضل الأعمال المستحبة في شهر شعبان. نسأل الله ﷻ أن يوفقنا للأعمال الصالحة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.