إن فلسفة التاريخ الحقيقية تكمن في إدراك وجود ثابت لا يتغير، فالتاريخ يعيد نفسه، ومن لا يتعلم شيئا من دروسه سيبقى في العتمة كما يقول «جوته» فالتاريخ وإن ظهر لنا كما نراه متغيرا تغيرا لا نهاية له في الحوادث المتشابكة، فهو اليوم يتابع تلك الغايات التي تابعها بالأمس والتي سيتابعها إلى الأبد، كما قال «شوبنهور»، فمن وجهة نظره أن فلسفة التاريخ تشير إلى التكرار وأن رمز الطبيعة الحقيقي في كل زمان ومكان تلك الدائرة.
ذاك أن الزمان والمكان يوهمان بأننا نعيش ككائنات منفصلة، لأنهما يشكلان مبدأ الفردية التي تقسم الحياة إلى أقسام، وتكتب التاريخ كفصول.
ونحن حين ننظر إلى التخلف فإننا ننظر إليه باعتباره واقعا منفصلا عنا، أو واقع لم نشارك في إيجاده أو حتى استمراره، كما هو الحال حين ننظر إلى ذلك الجزء من التاريخ القديم من عصور الظلام التي سادت أوروبا فنراها كصورة جامدة لا نعرف غيرها لنقارن ونصف بها كيف تكون مظاهر التخلف والانحطاط.
فلقد وجد الكهنوت الأوروبي في القرون الوسطى من الدين سلما نحو الوصول إلى السلطة بداعي تحقيق دولة الفضيلة، رغم أن أفلاطون نفسه اعترف أنها صعبة التحقيق، فتمكنت من البقاء لفترة طويلة في الحكم وأرغمت الشعب على الالتزام بالأحكام المتوارثة دون الاعتراض عليها أو تغيير ذلك الواقع المؤلم خوفا من العقاب الذي طال المخالفين فتعرضوا لأقسى أنواع العذاب الجسدي والمعنوي لمجرد طرحهم أفكارا تخالف الكنسية، وينقل الدكتور مصطفى حجازي في كتابه سيكولوجية الإنسان المقهور عن «هاجن» تصنيف دائرة المعارف العالمية لمظاهر المجتمع المتخلف منها انتقال العلوم من جيل إلى آخر بشكل جامد إجمالا حيث تحكم العادة والتقليد بالسلوك لا بالقانون! ما اضطربت معه الحياة، فطغى الجهل، وسادت أوروبا حياة التخلف عاش فيها الإنسان مقهورا وعاجزا عن التغيير لزمن طويل.
ومن زاوية أخرى قد ينظر إلى التخلف على أنه نتيجة بعد أو عقاب إلهي لأسباب دينية أو اجتماعية أو تاريخية، وأننا ورثنا هذا التخلف ولا قدرة لنا على تغييره ما لم نعد بالذاكرة رسم خارطة التاريخ القديم ببدائيته، وبساطته، فالذاكرة تتحول أحيانا كمخدر للإرادة البشرية فمعها ندرك أننا ما زلنا نتغنى بانتصاراتنا القديمة، وننسى هزائمنا وخيباتنا بسرعة.
وعلى أي حال فالوقوع بين المرض سيكون بالنسبة للمتعافي بطبعه حافزا حيويا للإقبال على الحياة. فهذا ما نتعلمه من الألم الذي يجبرنا من حين لآخر بالبوح به، والتنهد بصوت مسموع كما تنهد نيتشه.
بقلم: سعود البشر
واقرأ أيضًا: مراجعات في التخلف