أطفال القرن الحادي والعشرين.. يتميزون بسرعة البديهة والذكاء.. يعيشون في عصر مختلف تماما عن العصر الذي كنا نعيش فيه، فنجد الإنترنت متاح لهم وقتما يشاءون، وألعاب إلكترونية عديدة، وقنوات تلفزيونية كثيرة تعرض لهم ما يشتهون من أفلام ومسلسلات كرتونية وأغاني وبرامج.
كل ذلك يوصل رسائل مختلفة إلى الطفل من كثرة ما يشاهد، رسائل يعجز الكبار أحيانا عن الوصول إليها أو الانتباه لها.. فضلا على أن “ريموت” التلفزيون (جهاز التحكم عن بعد) يظل متاحا لهم ليتابعوا ما يريدون فيظلون بالساعات أمام التلفاز أو جهاز الكمبيوتر، وقد يقع الوالدين في مشكلة ترك الطفل طويلا أمام الشاشات دون مراقبة واضحة منهما لما يشاهده الطفل أو يتعلمه بسبب انشغالهما الشديد في العمل.
فما هي الآثار السلبية التي قد تصيب أطفالنا في وقتنا الحالي؟، وما أثر الجلوس أمام التلفاز أو شاشات الكمبيوتر بهذا الشكل المستمر والطويل؟، هل تقتل هذه الأمور مواهب كثيرة لأطفالنا؟، وما الذي يجب على الوالدين عمله لانتشال طفلهم من أمام هذا السيل من الشاشات؟.
من مازنجير إلى سوبر مان
قديما كنا نتابع ونحن أطفال “مازنجير” الكائن الآلى الذي كان يستخدمه “ماهر” بطل الكارتون لمحاربة الشر، أم الآن أصبح الطفل يجلس أمام ثلاث شخصيات مختلفة وهم: “سوبرمان”(الرجل الخارق) و”باتمان” (الرجل الوطواط) و”سبايدرمان” (الرجل العنكبوت).. والطفل الآن يجد أن البطل حاليا يملك قوة خارقة ولا يحتاج إلى كائن آلي أو غيرة لمحاربة الشر، كما أن هذه الشخصيات تطير وتقفز وتفعل كل ما تريد دون أن تتعرض لأي أذى يذكر ومرحلة التقليد في تلك المرحلة هامة جدا للطفل حيث يقلد كل ما يرى وقد يتعرض للأذى، هذا بالإضافة إلى تلك الكمية الهائلة من مشاهد الدماء والدمار والأسلحة والقتل لتحقيق أمر واحد فقط هو الخير.
(تيمون وبومبا) شخصيات كارتونية كان لها دور هام جدا في فيلم “الأسد الملك Lion king”، بعد ذلك أصبح لهم حلقات منفصلة يشاهد الطفل فيها “تيمون” وهو يتلذذ بأكل الحشرات والدود.. ترى ماذا يفعل الطفل بعد رؤيته لهذه الصورة المقززة التي تنقل له؟، غير أن لحوم الخنازير من الأشياء المحرمة في ثقافتنا الإسلامية، فهل يعي الطفل كل هذا خصوصا مع انشغال الوالدين وعدم وجود الوقت الكافي للجلوس والتحاور السليم معه؟.
أفلام الكارتون الياباني هي أيضا يضاأتحتل مساحة هامة من حياة الطفل العربي، فبعد “كابتن ماجد” صاحب الضربة القاضية وسلاحف النينجا؛ تحول الطفل إلى المقاتل “نارتو” وأدغال الديجتال وغيرها وكلها تدخل في خيال لا يمكن تحقيقه وغيبيات بعيدة جدا عن إدراك الطفل.. بالإضافة طبعا إلى مظاهر الدم والقتل التي يراها أمامه في تلك المسلسلات.
ولا ننسى أن نشير إلى قناتين تنقلان بصورة عادية جدا كل ما تحمله الثقافة الغربية وتنقله بكل سلاسة للطفل العربي الذي عادة تغيب عنه الرقابة الأسرية؛ وهما قناة “نيكلوديان وmpc3 “.. فنجد الأولى مثلا تعرض مسلس الإسفنجة الشهير “سبونج بوب” الذي يقف عادة أمام شاشة الطفل العربي أحيانا ببنطاله فقط (نصف عاري)، كما تعرض القناة الثانية مسلسل “الجاسوسات الثلاثة” والتي ترتدي لبسا غير لائق على الإطلاق ولا يناسب ثقافتنا الإسلامية وهو المسلسل الذي يحوز شعبية كبيرة بين الفتيات الصغيرات.
واقرأ هنا: ماذا لو رسب طفلي
براعم ونيكلوديان
أراء الأمهات حول أفلام الكارتون التي تعرض على القنوات مختلفة، فتقول “رباب” والتي تبلغ طفلتها خمس سنوات ونصف: جميع البرامج التي تشاهدها طفلتي من قناة “براعم”، فهي تتعلم منها كثيرا كالأرقام والفاكهة وتنقل لها المعلومات بشكل بسيط وسهل، إلا أنها تعود لتشير إلى انتشار ثقافة “سبونج بوب” الذي تشاهده ابنتها بجانب برامج قناة البراعم: أنا لي العديد من التحفظات على هذا البرنامج ولكني أجعل ابنتي تشاهده وأنا جالسة بجوارها مع رقابة لأصحح معها الكثير من الألفاظ التي أعترض عليها، فلم أمنعها عن الكارتون الغربي مثل نيمو وقصة لعبة وغيرها حيث أوضحت لها أن كل مجتمع له ثقافة مختلفة عن المجتمع الآخر، كما أني أعيش خارج مصر وأتعامل مع جنسيات مختلفة في الدولة التي أعيش فيها حاليا وطفلتي ترى ذلك بنفسها.
واتفقت “ليلى” مع رباب في أنها تجعل طفلتها البالغة من العمر 4 سنوات تشاهد قناة براعم فتقول: هي قناة تربوية تعليمية بسيطة جدا للطفل كما أنني استفاد منها كثيرا خصوصا مع برنامج “زيد والعلوم”، ثم تعود لتقول إلا أن هذا لم يمنع من وجود بعض الأشياء التي أراها مخالفة من وجهة نظري حيث تبدلج بعض البرامج على هذه القناة فأجد المعلمة والوالدة فيه يرتديان زيا معاكس تماما لثقافتنا وأحاول أن أنبه طفلتي لذلك بشكل بسيط وبالحوار معها.
وتوضح ليلى أن قناة “طيور الجنة” تأتي في المرتبة الثانية؛ ورغم أنها تنقل الكثير من الأخلاقيات إلى الطفل إلا أنها تعرض كل هذا عن طريق الأغاني وأحيانا ينتابني شعور أن طفلتي تشبعت بكل هذا ولا أتركها أمام تلك القناة إلا في حالة انشغالي الكامل حيث أنها تنتبه لها جدا، وقالت: أمنع طفلتي تماما عن كارتون العنف والدماء والقتل، ورغم أن الطفل لابد ألا يزيد وقته أمام التلفاز عن ساعة كل يوم إلا أن طفلتي الصغيرة قد تقضي أكثر من ساعتين ونصف أمامه.
“قد يبدو طفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات غريبا، فهو لا ينتبه إلى الكارتون على الإطلاق” هكذا تصف “مانيفال أحمد” طفلها الصغير موضحة: عادة يحب أن أشتري كل ما يتعلق بسبايدر مان “الرجل العنكبوت” لا لأنه رأه من قبل بل لأنه يعشق اللون الأحمر، فيشتري لعبته والقمصان المرسوم عليها وغيرها، وتضيف: طفلي حاليا يشغل وقته مع جده أو وقت أن أكون بالمطبخ عادة ما يكون بجواري ويحاول المساعدة.
أما سارة فتحكي عن ابنتها التي تبلغ من العمر 5 سنوات والتي تجلس في كثير من الأوقات أمام قناة “نيكلوديان” والتي تنقل أفكار متضاربة تماما مع أفكارنا الشرقية العربية وتخاطب الطفل بأمور أكبر من سنه؛ فتحكي: في يوم جلست ابنتي لتشاهد القناة وأنا كنت مشغولة على حاسوبي الخاص ثم انتبهت لما تشاهد فوجدت فتاة صغيرة يقول لها أصدقائها “أم الشعور” – نسبة إلى الشعر الصغير المنتشر في جسدها- عارضين عليها أن يساعدوها في إزالته، قلبت التلفاز بالطبع ولكن ابنتي جاءت لي بعد فترة تقول لي أن أصدقائها في الحضانة قالوا لها أنه أصبح لديها شارب مثل الرجال وهي تريد أن تتخلص منه؟!.
“لم أعد أستخدم فكرة الرقابة مع ابني الذي يبلغ 10 سنوات فهي لم تعد فكرة جيدة” هكذا تقول كوثر التي تؤمن تماما أن ما تحرمه على ابنها في المنزل سيسعى لمعرفته مع أصدقائه في الخارج فالمحروم مرغوب عند الجميع، لذا فهي تتركه يشاهد ما يريد وتربي لديه حاسة النقد سواء إيجابي أو سلبي.
وبالإضافة للبرامج التي تجذب انتباه طفلها مثل “زيد والعلوم” على قناة براعم وكمية المعلومات التي ينقلها له بشكل بسيط، إلا أنه يشاهد أيضاً قناة “نيكلودين” التي تنقل له العلاقات العاطفية بين الفتيات والصبية، كما أنني أحيانا أجد فيها سب للأم دون أي احترام يذكر، وهو أمر غير صحي ولكني لم أمنعه عن المشاهدة بل نتناقش سويا فيما نرى.
وتضيف كوثر: طفلي لا يجلس أمام التلفاز كثيرا، وتقريبا تكون ساعة واحدة في اليوم فأنا أعمل على توزيع وقته بين أصدقائه والنادي والرياضة وحفظ القرآن وتعلم شيء جديد يفيده في الدراسة حتى لو كنا في أيام الأجازة.
أما عن طفلتها الثانية التي تبلغ عامين فتحكي كوثر أنها تتابع بشدة قناة براعم التي تعلمت منها الأرقام رغم أن والدتها لم تخبرها عنها من قبل، كما أنها تعلمت اللغة الفصحى وتتحدث بها كثيرا.
“أنا أترك ابنتي أمام قنوات مثل براعم وطيور الجنة وقراميش” هذه هي القنوات التي تترك علياء ابنتها البالغة 3 سنوات لتشاهدها؛ إلا أنها توضح: “لا أحب أن أترك ابنتي أمام التلفاز صامتة بل أتناقش معها في كل ما ترى وأمارس دور الرقابة عليها أيضا، وقد تكون الرقابة غير مفيدة خصوصا مع كبر الطفل ولكن أحاول أن أتناقش معها على حسب عمرها حتى نصل في النهاية إلى القناعة التامة.
وهنا أيضًا: علاج مشكلة التعلق بالإلكترونيات
من حوار ورقابة إلى انشغال
وتعلق وفاء أبو موسى -المستشارة النفسية- على حديث الأمهات والقنوات التي يشاهدها أطفالهن بأن: قناة نيكلودين هي في الأصل قناة مخصصة للشباب والمراهقين، لذلك هنا تدخل إدارة الأسرة في انتقاء ما يشاهده الطفل، فليس من الصواب أن يشاهد أطفال سن الخامسة ما يعرض لأطفال الرابعة عشرة.
وتضيف أن الحوار هام جدا للطفل لأن تعليم الطفل مهارات الحوار الإيجابي تبدأ منذ الصغر، وتعويده على إبداء الرأي في كل ما يخصه قضية تربوية هامة في تنشئة الطفل، لذلك فعلى الآباء مناقشة الطفل فيما يرى هامة وتوسع مداركه العقلية لما هو صواب أو خطأ.
وعن ساعات مشاهدة التلفزيون تقول وفاء أن الأطفال في سن السادسة تكون المشاهدة نصف ساعة بتقطع لذلك أفلام الكرتون الخاصة بهم لا تتجاوز العشر دقائق، أما أطفال فوق السادسة من الممكن ساعة أيضا بشكل متقطع لأن التلفاز يبث إشعاعات ضارة بخلايا المخ كما أن شدة تركيز الطفل تجهد الإدراك والنظر لديه.
وأشارت وفاء أن الرقابة الأسرية هامة لأن من شأنها أن تمنح الطفل الشعور بالأمان والاستمتاع بما هو مفيد لكن الأهم الطريقة التي ننظم فيها مشاهدة الطفل أي علينا أن نجعل الطفل يشعر بأهمية ما يخصه وليس الأمر قمعيا أو تسلطيا وتضيف الأهم من ذلك كله أن نشغل وقت الطفل ولا يكتفي فقط بمشاهدة التلفاز، كتعزيز الأنشطة المنزلية منها الرسم والدراما وتنظيم مسابقات ثقافية وجمع معلومات ولابد أن يكون هناك موضوع للتحفيز كالمكافأة والتشجيع ومن المهم أن تقوم التربية على مبدأ احترام الطفل وتقدير حاجاته الإنسانية.
بقلم: مروة أشرف
وهنا أيضًا تقرأ: