أشهد ألا إله إلا الله… كان المصريون القدماء إذا أحبوا شيئا عبدوه التماسا لعطائه وخيره.. وكانوا أيضًا إذا كرهوا شيئا عبدوه اتقاء لغضبه وشره!. حتى إن أحد المعابد –في أسوان– قسمه المصريون القدماء إلى نصفين متطابقين في المساحة والتصميم والحجرات والرسومات، أحدهما للإله الذي يحبونه، والآخر للإله الذي يكرهونه.
إله لكل مواطن
وتعددت الآلهة عبر العصور الفرعونية، ففي زمن من الأزمان كان هناك إله لكل “إقليم”، ثم إله لكل “مملكة”، ثم إله “للدولة” كلها.. ولا مانع أن يتغير الإله بتغير الحاكم.. حتى كثر عدد الآلهة وكاد أن يكون هناك إله لكل مواطن!! إيمان بالبعث وطبعا محاولات “إخناتون” للتوحيد باءت بالفشل العظيم.
فعندما رحل “إخناتون” ذهب إلهه معه! والعجيب أن المصريين القدماء –رغم هذا التعدد المستفز في الآلهة– كانوا يؤمنون بالبعث والحساب إيمانا غير مسبوق، لدرجة أني أثناء زيارتي للأقصر وأسوان رأيت عشرات المعابد والمقابر العملاقة، المبهرة ولم أر قصرا واحدا! لأن الملوك عاشوا في بيوت بسيطة لم تصمد كثيرا أمام الدهر، ولم يبق منها شيء، بينما اهتموا جدا بالقبور، وزينوها بالرسومات التي تصور مراسم البعث والحساب، وتركوا فيها أوانيهم، وحليهم وملابسهم وجثثهم المحنطة استعدادا للحياة بعد الموت!!
واهتمامهم بالمعابد لم يقل عن الاهتمام بالقبور، حتى أني ذُهلت عندما شاهدت معبد “الكرنك” –مثلا– الذي بني من آلاف السنين ومع ذلك فإن ضخامته ومساحته أكبر من الحرم المكي والنبوي.. كل هذا بلا توحيد!! والأغرب والأعجب أن الرومان المسيحيين عندما جاءوا بعد الفراعنة والبطالمة وأعلنوا سخطهم على هذا التعدد الممقوت فحاولوا فعلا هدم المعابد وحرقها احتجاجا على هذه الوثنية والشرك، سرعان ما سقطوا في نفس الأمر! وقالوا ثلاثة: الأب والابن والروح القدس! التوحيد هل التوحيد صعب لهذه الدرجة؟!.
إذا كانت “الفطرة” تميل للتوحيد فلماذا تميل الأهواء للتعدد؟ لماذا هذا الصراع داخل الإنسان بين التسليم لله الواحد الأحد وبين الانجذاب لآلهة أخرى من صُنعه؟ سواء كانت هذه الآلهة أصناما تعبد أو أهواء تتبع أو نعيما زائلا يغوي؟ أعتقد أن الإجابة هي أن الإنسان عندما يصنع إلهه بنفسه يستطيع أن يحدد بنفسه أيضا الشرائع والعبادات التي يقبلها هو والتي لا تتعارض مع مصالحه –من وجهة نظره.
أما إذا سلم نفسه لإله واحد فإنه مضطر لقبول أوامره ونواهيه دون قيد أو شرط! لذلك فإن التوحيد ليس سهلا! والتسليم ليس هينا! ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يسأل أحد أصحابه: كيف أصبحت؟ كان الرد: أصبحت مؤمنا بالله لا شريك له! وكأن أول ما يطمئن عليه الإنسان عندما يستيقظ من نومه هو: الإيمان بالله الواحد الأحد! وتجديد هذا الإيمان، والتأكد أنه لم يلوث بتسليم لأحد غيره سبحانه.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالك الملك، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.. أشهد ألا إله إلا الله.. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، يعز من يشاء ويذل من يشاء، الحكيم العليم القادر المقتدر.. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، وعليك توكلت.. وإليك المصير.
بقلم: د. فيروز عمر
⇐ واقرأ أيضًا بعضًا مما لدينا: