تعتبر أسماء زعزوع «الشهيرة بــ ماما أسماء» أول صوت نسائي سعودي قامت ببث برامجها عبر الاثير من الهند وهي كانت من أبرز المذيعات في القسم العربي بإذاعة عموم الهند الحكومية خلال الفترة المبكرة من استقلال الهند. كما تعد من المذيعات القلائل من السعودية ومن جميع الدول العربية التي اشتغلت في بث البرامج الإذاعية على الهواء مباشرة في تلك الفترة من الزمان ولذا تعتبر من رائدات في هذا المجال ليس في السعودية فحسب بل في العالم العربي بأكمله.
مولدها
أسماء زعزوع من مواليد حي الشامية في مكة المكرمة في عام 1928م لعائلة قرشية من أشراف الحجاز، وتعلمت القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم بمسقط رأسها في حي الشامية قبل أن تنتقل إلى دراسة الحساب والتطريز وأشغال الإبرة، حيث لم تكن هناك وقتذاك مدارس نظامية كي تلتحق بها.
وبعد إتمامها للعلوم والمعارف المذكورة، اعتمدت على نفسها فبدأت في تعلم مبادئ الخياطة كما قامت في الوقت نفسه بتدريس قريناتها في حي الشامية كل ما تعلمته كي تساعدهن على اكتساب قوتهن.
زوجها
أرى من المناسب قبل تسليط الضوء على حياتها الوظيفية وخدماتها في الإذاعة الهندية أن أقدم بعض جوانب حياة زوجها الذي كان سببا في عملها بالإذاعة حيث كان يعمل أيضاً بالقسم العربي من إذاعة عموم الهند قبل انضمامها.
وكان زوجها الأستاذ عزيز ضياء الدين زاهد مراد، الإذاعي المعروف من أبناء المدينة المنورة والذي اقترن بها في عام 1946م وأنجب منها في عام 1947م رائد الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية الفنان المعروف صاحب المدرسة الانطباعية الحديثة في الفن ضياء عزيز ضياء، ثم أنجب منها في عام 1952م المذيعة الشهيرة دلال عزيز ضياء، علما بأن الأخيرة تعتبر أول امرأة سعودية تدير إذاعة جدة.
اشتغل الصحفي عزيز ضياء، في عدة وظائف حكومية وعسكرية في دوائر الشرطة والدفاع والخطوط السعودية وتنقل في عمله ما بين تركيا والشام ولبنان ومصر، وأجاد لغات الانجليزية والفرنسية والتركية، وغادر عام 1948م وطنه ليزور مصر ومن ثم إلى الهند برفقة زوجته أسماء.
وبعد مجيء الزوجين إلى الهند تمكن عزيز ضياء من الانضمام إلى القسم العربي في إذاعة عموم الهند للعمل بها كمترجم من اللغة الانجليزية وإليها وكمذيع ومعد لنشرات الأخبار في عام 1948م. وخلال نفس الفترة عرضت إذاعة عموم الهند على زوجته أسماء العمل في وظيفة مذيعة ربط بعد شيء من التدريب الذي نجحت فيه بسرعة قياسية بسبب تشجيع ومؤازرة زوجها.
البداية مع «ما يطلبه المستمعون»
بدأت أسماء زعزوع تعد برامج الأطفال وتقدم برنامج “ما يطلبه المستمعون” فضلا عن قيامها بتدريب المستجدين من المذيعات والمذيعين المحليين في الإذاعة الهندية.
كتبت جريدة الرياض في عددها الصادر 24 يونيو عام 2011م بأن بعد انقضاء فترة التدريب ظهر صوتها على الأثير لتصبح أول سيدة سعودية يظهر صوتها على الهواء ويصل إلى المملكة العربية السعودية التي انقسم المستمعون إلى فريقين أحدهما: يستنكر أن يسمح زوج سعودي لامرأته بظهور صوتها وسماعها على الملأ، والفريق الآخر، وهو الأكثر تطوُّراً وانفتاحاً، أرسل برقيات تأييد وتشجيع حيث شعر هذا الفريق بالفخر والاعتزاز بهذه الخطوة الجريئة، كونه أول صوت لابنة مكة المكرمة – مهبط الوحي – حيث يظهر في إذاعة كانت من أقوى الإذاعات الموجهة للعالم العربي ولها جمهورها العريض في أنحائه.
ماما أسماء
واستمرت أسماء زعزوع في العمل بإذاعة عموم الهند برفقة زوجها لمدة عامين ونصف العام، وعادت إلى السعودية في عام 1951م وهنا استأنفت عملها الإذاعي بعد فراغ مدة في السعودية وأصبحت من رواد المذيعات بالمملكة العربية السعودية.
لقد نالت السيدة الرائدة أسماء زعزوع جوائز عديدة في السعودية حيث كرمت سنة 2004م في الملتقى الثقافي لسيدات جدة، ثم تم تكريمها من قبل سيدات رواق مكة المكرمة عام 2006م، ثم كرّمها في العام نفسه مهرجان الخليج التاسع للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في البحرين.. ولكن يبقى ما هو أهم من التكريم رصد مسيرة (ماما أسماء) الإذاعية وإنتاجها الكتابي.
وفاتها
انتقلت ماما أسماء إلى جوار ربها في شهر يناير 2014م ودفنت في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة.
وهي لئن رحلت عن محبيها بجسدها فإنها باقية بينهم كاسم مضيء وقنديل مشتعل وسيرة من العطاء والبذل ونموذج للمرأة المكية ذات السجايا العطرة والذكاء الفطري والروح الاستبسالية التي قاومت وكافحت من أجل غد أفضل لشقيقاتها ومواطناتها.
بقلم: د. محمود عاصم «كاتب وصحفي بنيودلهي»