ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد طوال الربع الأول من عام 2024، وارتفع خام برنت القياسي بنسبة 18% منذ الأول من يناير حتي منتصف شهر أبريل ليصل إلى 90.14 دولار للبرميل وارتفع خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 20% إلى ما يزيد قليلاً عن 85 دولار في نفس الفترة.
دعم نمو الأسعار في هذه الفترة الصراعات الجيوسياسية المشتعلة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى قرارات السياسة الاقتصادية الرئيسية في الغرب والإجراءات التي اتخذتها منظمة أوبك بلس المتحكمة إلى حد كبير في الأسعار، ولكن ما هي احتمالات وصول سعر البرميل إلى 100 دولار قريباً وما الذي يمكن أن يأخذه إلى هذا الحد؟.
الصراعات الجيوسياسية تعزز الأسعار
اهتزت أسواق الطاقة عندما وقع الغزو الروسي لأوكرانيا لأول مرة في فبراير من عام 2022، وقفزت أسعار تداول النفط فوق 100 دولار للبرميل وارتفعت إلى 127 دولار للبرميل في 8 مارس، قبل أن تتراجع إلى أقل من 100 دولار في يونيو من ذلك العام، ومع تأجج الصراع العسكري بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس ارتفعت أسعار النفط بقوة ثم عادت للتراجع، وفي ظل توسع الاضطرابات الجيوسياسية لتشمل ايران وجنوب لبنان ارتفعت الأسعار لأعلى مستوياتها في سبعة أشهر متخطية مستوي 90 دولار.
ويظل الصراعان في قلب الحديث حول أسعار النفط، حيث تواصل روسيا تكثيف جهودها الحربية ضد أوكرانيا، ويستمر الاحتلال الإسرائيلي في تصعيد الضربات العسكرية في غزة، وعلى ما يبدو أن الوضع لا يزال مضطربًا خاصة مع تعثر العديد من المفاوضات لوقف اطلاق النار والبدء باجتياح رفح الفلسطينية، وهو أمر من المرجح أن يدعم المزيد من ارتفاع أسعار النفط، حيث من المتوقع حدوث انقطاع مفاجئ للإمدادات النفطية في المنطقة الغنية بالنفط مع تأزم الأوضاع في المنطقة، وسنشهد ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل.
كل هذه المخاطر الجيوسياسية يتم تسعيرها في أسعار النفط مع دخولنا إلى أشهر الصيف، وهي الفترة الأكثر شحًا في العام عندما يستهلك الجميع أكبر قدر ممكن من النفط.
وفي الوقت نفسه، يشير أحد المحللين إلى أنه على الرغم من استمرار تأثير تصاعد الأحداث السياسية على أسعار النفط، إلا إن التأثير ليس كبيرًا كما يتوقع البعض مع انخفاض احتمالية انتشار الاضطرابات إلى دول أخرى.
قوة منظمة أوبك بلس
وتحافظ منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك بلس) بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا على برنامج خفض مستويات الإنتاج بواقع 2.2 مليون برميل يوميًا في محاولة لرفع أسعار النفط إلى الأعلى.
عندما تم الإعلان عنها لأول مرة في نهاية العام الماضي، قال المحللون إن التخفيضات لم يكن لها تأثير يذكر على السوق حيث تم تحويل العبء على المملكة العربية السعودية وروسيا، ونظرًا لأن التخفيضات كانت “طوعية” فقد اعتبر المحللون أنه من غير المحتمل أن يلتزم بها اللاعبون الرئيسيون مثل المملكة العربية السعودية على المدى الطويل، لكن اجتماع المجموعة في أبريل الماضي أكد أن تخفيضات الإنتاج ستظل قائمة حتى نهاية يونيو على الأقل، هذه الإستراتيجية المستدامة تعني أن هناك “احتمالًا قويًا” بأن النفط سيتجاوز مستوى 100 دولار للبرميل.
الولايات المتحدة والصين
وهناك تطورات دولية أخرى تزيد من احتمالية وصول سعر البرميل إلى 100 دولار، فعلى الرغم من استمرار النشاط الفاتر للاقتصاد الصيني لفترة طويلة، أعلنت الصين عن المزيد من إجراءات التحفيز لمحاولة رفع اقتصادها الراكد، ورغم أن التدابير السابقة المماثلة أثبتت أنها مخيبة للآمال وغير فعّالة إلى حد ما حتى الآن، فمن المؤكد أن احتمال العودة إلى النمو في الصين من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
ولا تزال الصين الداعم الأقوى لنمو الطلب على النفط، وحتي الآن لا تزال معدلات الطلب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أقل من مستويات ما قبل الوباء.
وتستمر الولايات المتحدة أيضاً في الاضطلاع بدورها، فبعد عام حفر قياسي شهد عوائد قوية من السعر الأساسي الضعيف لشركتي شيفرون وإكسون الأمريكيتين، يتحرك الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي لإعادة ملء الإمدادات.
في مارس، قالت الولايات المتحدة إنها ستعيد ملء مخزوناتها إلى النقطة التي ستصل فيها المستويات أو تتجاوز المستوى السابق للمستوى الضخم البالغ 180 مليون برميل يوميًا في عام 2022، مما يضع أرضية صلبة لخام غرب تكساس الوسيط في هذه العملية.
وفي الوقت نفسه، تستمر مناقشة توقعات تخفيضات أسعار الفائدة، على الرغم من التصريحات الصادرة عن البنك المركزي الأمريكي والتي تشير إلى أن ذلك لن يتم قبل يوليو من هذا العام.
وعلى الرغم من هذه العوامل، فإن بعض المحللين متمسكون بانخفاض الأسعار مع تقدم العام، جاء في مذكرة من بنك جيه بي مورجان أنه يحافظ على توقعاته عند عتبة 90 دولار للبرميل في مايو ليتراجع إلى 85 دولار للبرميل في النصف الثاني من العام، ومع ذلك، قال محللون من جي بي مورجان أن سعر النفط العالمي قد يصل إلى 100 دولار للبرميل قريبًا.
حالة عجز في سوق النفط
لقد سقط سوق النفط العالمي في حالة عجز، حيث من المتوقع أن يستمر الطلب في تجاوز العرض لمعظم عام 2024، وسيظل السوق متوازناً بشكل جيد في عام 2025.
لا نزال نتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى مستويات قياسية في عامي 2024 و2025، على الرغم من أن انتعاش الطلب على النفط في الصين بعد جائحة كوفيد 19، إلا أن الهند أصبحت محركًا قويًا للطلب بشكل متزايد، ومع إثبات الاقتصاد الأميركي أنه أقوى مما كان متوقعاً قبل بضعة أشهر فقط، فإن المخاطر التي تهدد توقعات الطلب العالمي تتجه نحو الأسفل حتى في مواجهة ارتفاع الأسعار.
وتشير أغلب توقعات خبراء السوق أن أسعار النفط ستستمر في التداول عند حوالي 90 دولار للبرميل خلال الأشهر القليلة المقبلة على الأقل، بسبب العجز في السوق بين معدلات الطلب والعرض، كما أن الأسعار ستتلقى الدعم أيضاً من التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط مع تهديد الحرب بين إسرائيل وحماس بالاتساع إلى صراع إقليمي أوسع.
وحتى لو ظل انقطاع شحنات النفط من المنطقة في حده الأدنى وتجاهلت الأسواق المخاوف بشأن التصعيد العسكري، فمن المتوقع أن تظل الأسعار مرتفعة مع استمرار عجز السوق العالمية حتى أواخر العام، من المرجح أن تلتزم أوبك بلس بشكل صارم بحصص الإنتاج المخفضة، وأن تستمر المملكة العربية السعودية في الالتزام بالتخفيضات الطوعية الإضافية حتى منتصف عام 2024 على الأقل، ولن ترفع الإنتاج إلا ببطء حتى نهاية عام 2024 على أقرب تقدير.
وما زلنا نتوقع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة بشكل معتدل في عام 2024 قبل أن يستقر في عام 2025، لكن الارتفاع الأخير في الأسعار ليس كافيا للحصول على استجابة أقوى لتحفيز زيادة العرض، يُذكر أن عدد منصات النفط الأمريكية البالغ 508 منصة قد انخفض بنسبة 14% عن العام الماضي، وفقًا لشركة بيكر هيوز، وهي شركة خدمات حقول النفط، حيث تواصل شركات النفط الأمريكية إعطاء الأولوية لتوزيع أرباح المساهمين.