ها نحن وإيَّاك يا صديقي وصلنا إلى العشْر الأواخر من شهر رمضان المبارك لهذا العام؛ وبالتالي فإن الجميع يتحرَّى ليلة القدر بكل حماسة. حسنًا، لكن كيف يُمكن أن يكون الفوز الحقيقي في هذه الليلة دنيا وآخرة، وكيف تضمن أصلا مصادفتها ونيل خيراتها بإذن الله ﷻ؟
هذا ما سأصطحبك إليه في مقالي اليوم؛ وهو أسرار الفوز في ليلة القدر.
الحرص على أداء العبادات كمقام أوَّل
نعم، فمن غير المعقول أن تسعى لليلة القدر وأنت مُضيّع للفرائض والعبادات الأساسية أصلاً. وأكمل معي لتعرف تفصيلا ما أقصده.
الصلاة تأتي أولا بكل تأكيد
- بداية -وفي المقام الأول أيضًا- الحرص على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها.
- أتِم صيامك صحيحًا، فلا سَب ولا شَتم ولا نقاشات حادة يتخللها ألفاظ بذيئة، ولا غيبة ولا نميمة.. الخ.
- ثم تعقد العزم على الحرص على أداء صلاة التراويح، وصلاة الليل، وصلاة التسبيح.. وغيرها مما ورد في سُنَّة النبي ﷺ.
تلاوة القرآن الكريم
- ختم القرآن الكريم ما تيسَّر من المرّات، أو قراءة أجزاء منه «مع التدبر في معانيه كأولويَّة».
- حاول أن تكون ختمات القرآن أولويَّة، فإن تعذَّر عليك هذا، فكما تستطيع ويعينك الله ﷻ عليه.
وتذكَّر أن كل حرف من القرآن بحسنة، أي أن صفحة واحدة ستجني من ورائها الخير الكثير والعدد الوفير من الحسنات، فما بالك بمن يقرأ كل يوم جزء أو جزئين أو أكثر من القرآن الكريم! هذه كنوز كبيرة بكل تأكيد.
الاعتكاف سهل.. بالمناسبة
نعم، ففي إجابة على هذا السؤال «من أقل مدة للاعتكاف؟» أجاب الشيخ مصطفى العدوي أنه لم يرد عن النبي ﷺ تحديد أقل أو أكثر مدة للاعتكاف. لكن قال أهل العلم أنه يجوز الاعتكاف ساعة أو ساعتين في المسجد بنية الاعتكاف لنَيْل رضا الله ﷻ وحصْد ثوابه.
لكن هنا يا صديقي المسلم -الحريص على أن يكون رابحا كبيرًا- أقول لك لا تضيّق الأمر، فإن كان لديك أوقاتا متسعة بلا عمل أو تستطيع أخذ راحة أو إجازة من العمل خلالها، فلا تفوّت الفرصة، واعتف ما تستطيع، ليلة أو اثنين أو ثلاث.. وهكذا كلما ازداد الوقت ازدادت فترات قراءة القرآن الكريم أثناء الاعتكاف، وكذلك الدعاء، والذِّكر.. وهو في بيتٍ من بيوت الله، فهل تخيَّلت كل هذا الفضل!
لا تكُفّ عن الدعاء
الدعاء في كل أوقاتك جائز، جالسًا، ماشيًا، مضطجعا.. فلا تبخل على نفسك أن تطلب أي خير من ربك ﷻ.
وهناك بعض الأدعية المأثورة مثل:
- دعاء “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
- دعاء “اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.
أو غيرها من الأدعية التي تريدها، كالدعاء بالزواج أو النجاح أو أن تُرزّق بالذرية الصالحة.. وغيرها.
⇐ طالع أيضًا: أعمال ليلة القدر ٢٧.. مفاتيح الجنان
الأعمال الصالحة:
تحدَّثنا عمَّا سبق ذِكره، والآن إلى كنوز تالية؛ وهي:
الصدقة
- تصدَّق بِما تيسر من مالٍ أو طعامٍ أو ثيابٍ أو غيرها.
- تحرَّ الفقراء والمحتاجين؛ ولا تستسهل بذل صدقتك إلى من هو أقرب لك بالمكان حتى ولو كان غير محتاجًا.
- أخرج زكاة فطرك.. ولو أنها من الفرائِض أصلا، لكنها ستكون بمثابة كنز حسنات كبير لك إن شاء الله ﷻ، ويمكن أن يصادف وقتها ليلة القدر فتنال عظيم الأجر والثواب كذلك.
صِل رحمك
- قُم بزيارة الأقارب والأهل، حتى وإن كلَّفك هذا بعض الوقت؛ فلا تبخَل، ففيه الأجر والثواب الكبير.
- إذا كان من أهلك من هو في سفر، فيمكنك أن تتواصل معه بالهاتف بمكالمة أو حتى عبر الرسائل النصية أو خدمات المراسلة التي أصبحت في إمكان الجميع.
الإصلاح بين الناس
- ساعدة في حلّ المشكلات بين الناس، وكُن إيجابيًا.
- ولا تنسى السعي في الإصلاح بين المتخاصمين.
- أنشر الود والمحبة بين الناس.
لا تستهِن، فكل هذا له فضل عظيم، وأنت تحاول أن تكسب أكبر قدر ممكن من الأجر والثواب والحسنات في ليلة القدر، فحاول أن تفعل -أيضًا- كل ما تستطيع من أعمال الخير التي تُدر عليك الأجر والثواب أيضًا.
التحلّي بمكارم الأخلاق
تخيَّل! في أخلاقك الحسنة أجر، ففي حديث النبي ﷺ يقول «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا».
ومن هذه الأخلاق.. على سبيل المثال:
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- دعوة الناس إلى فعل الخير وترك مفاسد الأعمال.
- الحديث مع الناس دومًا بالحكمة والموعظة الحسنة.
- الحرص على نشر الأخلاق الفاضلة بين الناس بأن تكون أنت نفسك نموذجًا طيبًا لهذه الأخلاق.
المداومة على الذِّكر
ذِكر الله ﷻ من أسهل العبادات، ومن أعظمها أجرًا في نفس الوقت. ففي ما ورد عن رسول الله ﷺ قال «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قال الصحابة»: بلى. قال: «ذكر الله تعالى».
وقال الصحابي الجليل قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه- [ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله].
ومما أوصيك به من الأذكار في هذه الليالي العشر الأخير من شهر رمضان:
- أذكار المساء.
- أذكار النوم.
- الباقيات الصالحات: وهي التكبير [الله أكبر]، والتهليل [لا إله إلا الله]، والتسبيح [سبحان الله]، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
- لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
- سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وغيرها الكثير والكثير من الأذكار الطيبة.
⇐ ولا يفوتك مطالعة: دعاء طلب الحاجة في ليلة القدر
هل تعرف أعمالك الإخلاص؟
نعم يا أخي المسلم، فكل عمل تعمله، سواء كان صلاة أو قراءة للقرآن أو ذِكرًا لله ﷻ أو صدقة أو أمر بمعروفٍ أو نهي عن منكر.. وكذلك كل الأعمال الصالحة، لابد أن تكون جميعها خالصة لله ﷻ ولا يراد بها إلا الله ﷻ. وأن تكون خالية من الرياء والنفاق.
تجنب الرياء والسمعة في الأعمال، حتى لا يحبط ما بذلت فيه الجهد والطاقة والوقت.
ملاحظات هامة:
- ليلة القدر خير من ألف شهر، لذلك فمن الدين والعقل اغتنام هذه الليلة المباركة؛ وألا تفوّتها بلهوٍ أو نوم.. أرأيت من يترك ملايين الدولارات في قارعة الطريق للناس يحصلون منها على ما يشاءون وهو يذهب للعب أو النوم، ماذا تقول في شخص كهذا؟
- لا يُعرف بالتحديد متى تقع ليلة القدر، لذلك يُستحب الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان بشكل عام. فإذا اجتهدت في هذه العشر، فحتما ستكون ليلة القدر في ليلة منهُن، فتكون قد نلت ثوابها بمشيئة الله ﷻ.
- اغتنم هذه الليلة فلعلّ الله ﷻ يغير حياتك للأفضل، ويمحو عنك كل ذنوبك، والبدء من جديد حياة إيمانية صالحة.
- ادع الله تعالى بِما فيه خير لك -ولكل المسلمين- في الدنيا والآخرة.