الصلاة من أعمدة الدين الإسلامي وأركانه التي لا يستقيم إلا بها، ولا يكتمل إيمان المسلم أيضا إلا بها، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي اللقاء الذي يتجدد كل يوم خمس مرات، يقبل العبد على ربه راكعا ذاكرا ساجدا له، مقرا له بالواحدانية والعبودية.
لا تسقط الصلاة عن المسلم حتى يلقى الله، وهي الفيصل بينه وبين غيره، وهي أول ما يسأل عنه الإنسان من الأعمال، ولكن الأهم من كل ذلك أن الصلاة عبادة جسدية وقلبية، تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم ولا تكتمل إلا بالخشوع، لا يجد المسلم فائدتها وثمراتها إلا متى ذاق الخشوع فيها واستشعره، ولا تتم إلا به فبدونه تصبح الصلاة حركات جوفاء خالية من المعنى والإيمان.
وهنا سوف نتعرف على مفهوم الخشوع الذي يتحقق به تمام الصلاة، وتصبح أجدر بالقبول، وأهميته والأسباب المعينة عليه.
الخشوع
أما مفهوم الخشوع فهو حالة من التذلل لله والانكسار بين يديه والإقبال عليه، بالقلب والعقل، واستشعار معية الله والخوف منه ومن عقابه، وما يترتب عليه من خضوع الجوارح وإظهار السكينة والتسليم لله، والخشوع قد يعني سكون الأعضاء وأدائها حركات الصلاة ببطء وترو، فإذا قام لم يركع حتى يتم القراءة على وجهها الأكمل وحتى يستقر كل عضو في مكانه، وإذا سجد لم يرفع من سجوده حتى يسجد كل عضو فيه مظهرا التذلل والضراعة لله عز جل.
الأسباب التي جعلت من السكن في الصلاة أمرا شاقا يفتقده كثير من الناس
حين يقول البعض إن السب هو زيادة الضغوط والهموم الملقاة على عاتق الناس، والأعباء المادية والمشاكل والخلافات التي تحيط بالإنسان وغيرها من الأمور، فإننا نقول أن الضغوط المادية أمرا ليس جديدا وأن هموم الحياة ومشقاتها، هي جزء من طبيعتها وأن النبي وأصحابه والتابعين وتابعيهم إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها تعرضوا لكل تلك الضغوط، ونحن جميعا معرضون لها، ومعرضون لذلك التيه في دوامات الحياة التي لا تنتهي، لكن السبب الحقيقي هو انشغال الناس بالدنيا وإقبالهم عليها، والغفلة عن الله والبعد عنه عز وجل، وذلك الصدأ الذي أصاب القلوب بسبب كثرة الذنوب، فالمرء يقف بين يدي ربه ويستدعي كل همومه ومشاكله وأمنياته، وكأن هذه اللحظات التي يقتطعها للصلاة هي التي ستغير وجه العالم.
والسبب الآخر أن لنا عدوا يعرف فائدة الخشوع وبركته التي متى حلت بالإنسان انصلح حاله وطاب عيشه وارتاح باله، ومن ثم فهو يتربص بالمسلم متى خلا إلى صلاته ليفسد عليه خلوته، ويشوش عليه صفاء صلاته، ويحول بينه بين تحصيل الخشوع، بكل حيلة وكل طريقة ممكنة.
ثمرات الخشوع
للخشوع ثمرات لو حصلها المسلم لن يقبل أن يصلي صلاة واحدة بلا خشوع، فهي ثمرات طيبة مباركة ومنها:
أن المسلم بالخشوع يجد حلاوة الصلاة، ويتذوق حلاوة القرب من الله والوقوف بين يديه، فتصبح الصلاة مصدرا من مصادر سعادته وراحته.
المسلم الذي يصلي بخشوع تصبح صلاته مؤثرة في أخلاقه وسلوكه وحالته النفسية والصحية، فتنهاه عن الحرام وتحبب إليه أوامر الشريعة وأحكامها، فيُقبل على الالتزام طواعية وبقناعة ويقين تامين، وفي ذلك يقول الله عز وجل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
من أعظم ثمرات الخشوع في الصلاة أنها تكون أقرب للقبول بإذن الله، فالمرء متى خشع وأخلص العبادة لله، كان ذلك من أسباب القبول.
أسباب تعين على الخشوع في الصلاة
احسان الوضوء والاستعداد للصلاة بترديد أدعية الاستفتاح، وغيرها من الأذكار حتى ينشط الإنسان ذهنه ويستعد للدخول في الصلاة بقلبه عقله.
أن يجتهد في الفصل بين صلاته وبين كل ما يشغله من أمور أو مشكلات، ويستعين على ذلك بالدعاء.
الصلاة على أول وقتها، حيث أن التأخير غالبا ما يدفع الإنسان إلى الاستعجال والسرعة وهذا يتنافى مع الخشوع.
وضع الصلاة على أول قائمة الاهتمامات، حتى تأخذ وقتها وحقها.
القراءة بصور مختلفة وعدم التكرار للسور القرآنية المحفوظة، لأن قراءة سور جديدة يربك المخ ويجبره على التركيز وعدم الترديد بآلية.
أن يستشعر الإنسان أنه واقف بين يدي العزيز العليم، وأن يصلي صلاة مودع فإنه لا يدري لعلها تكون آخر صلاة.