كل عام تتسبب إصابات الرأس المختلفة بوفاة حوالي مليون شخص سنويا حول العالم، كما تؤدي لإعاقاتٍ دائمة في أكثر من مليون ونصف مليون مصاب؛ ولأن طبيعة إصابات الرأس أو الردود تكون في أغلب الأحيان شديدة الحساسية، فإن دقة التعامل مع كل حالةٍ منها تساعد الأطباء على علاجها.
وما يعطي الدماغ أهمية كبرى في حياتنا؛ هو أنه بمثابة غرفة التحكم لكل ما نقوم به، فالدماغ محميٌ جدا بواسطة عظام الجمجمة، وطبقاتٍ متعددةٍ من الأغشية الليفية تسمى السحايا إضافة إلى السائل الدماغي الشوكي؛ لكن ومع هذه الحماية يتأثر الدماغ عند تعرضه للرضوض التي تكون مهددة للحياة.
تقع حوادث السير على رأس أولى مسببات الدماغ، تليها حوادث السقوط المتنوعة سواءٌ كانت بسبب الدرجات، أو السلالم، أو الأماكن العالية؛ وتندرج الحوادث الناجمة عن بعض الرياضات أيضا كسببٍ أساسي لإصابات الرأس المختلفة.
وتشير الجمعية الألمانية لطب الأعصاب والدماغ إلى أن الرضوض التي تحدث في الرأس قد تكون مؤذية جدا للإنسان على المدى البعيد، حتى لو ظهرت بعض الأعراض واختفت؛ وبشكلٍ عام فإن الأعراض الواضحة بعد الرض، تتضمن إرتجاجا في المخ، ونزيفا دماغيا، إضافة لفقدانٍ في الوعي، وفقدٍ بالذاكرة، أو إعاقة مزمنة أو مؤقتة، وفي الحالات الشديدة الوفاة.
ومع تأكيد الأطباء على أهمية الوقاية من إصابات الرأس، بارتداء خوذةٍ لحماية الرأس أثناء الرياضة، وارتداء حزام الأمان أثناء قيادة السيارة؛ فإن الوعي الكامل بكل أسباب هذه المشكلة الصحية، وتفاديها يُبعد الإنسان عن خطرٍ يهدد حياته.
ما هي أهم مسببات إصابة الرأس؟
يقول دكتور سامي جودة “استشاري ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب وجراحات العمود الفقري” لا شك أن موضوع إصابات الرأس موضوع هام جدا وخطير؛ الأسباب كثيرة ولكن الأكثر شيوعا السقوط؛ شخص سقط من إرتفاع، شخص تعثر وهو يمشي وسقط على الأرض، أو حتى في بعض الرياضات مثل ركوب الخيل، أو الدراجات يمكن السقوط من على الدراجة أو من على الحصان وتحدث إصابة الرأس.
السبب الثاني والذي يأتي في المرتبة الأولى من ناحية شدة الإصابة هو حوادث السير، وهو سبب مهم جدا يجب أن نهتم به وله وقفة؛ صحيح بدأت الناس تتبع الإرشادات المرورية وأصبح عندهم وعي مروري أكثر؛ لكن ظهرت أشياء أخرى كاستخدام الجوال أثناء القيادة، وهذا يمكن التطرق لها في إصابات الرأس.
السبب الثالث: قد يكون ممارسة بعض الرياضات لكن ليس بالضرورة سقوط؛ مثل لعب الكرة تحدث إصابات غير متعمدة للرأس، أو التزلج، أو الملاكمة؛ فهذه هي أغلب الأسباب التي تؤدي لإصابات الرأس.
كيف نُعرِّف الإصابة؟ ماذا يحدث تحديدا عندما يتعرض رأس أو مخ الإنسان للإصابة، وماهو الخطر الذي نتحدث عنه؟
تابع، د.سامي، تتراوح الإصابة من جرح في فروة الرأس، وحتى إصابة داخلية في عمق المخ؛ من جرح تهتكي أو أيا كان في فروة الرأس، حتى كسر في الجمجمة، نزيف في المخ، كدمة في المخ، تهتك في بعض أنسجة المخ؛ لكن في حدث يسمى concussion ارتجاج مهم جدا؛ مجرد ارتطام الرأس بجسم صلب يحدث الارتجاج، الارتجاج في معناه البسيط هو توقف لفترة معينة لبعض وظائف المخ، هذا التوقف لا يصاحبه تغير في بنية المخ أو تشريحه؛ لأنه لو تغير وظهر بالأشعة وجود نزيف أو كدمة انتقلنا من مرحلة الارتجاج لتشخيص آخر، لكن الإصابات ممكن أن تتراوح من كسر في الجمجمة ؛كسر مضاعف، أو كسر بسيط إلى إصابة المخ الداخلي نفسه.
هل بالضرورة أن يكون هناك إغماء أو coma يدخل فيها المصاب؟
أكمل “سامي” هذه نقطة هامة جدا لأن في بعض الأحيان بعد الإصابة مباشرة يحدث نوع من فقدان في الوعي، أو تأثر درجة الوعي هذا يتراوح من ثواني لدقائق، وقد يطول؛ ولذلك الإغماء هامة لنا كأطباء أن نعرف مدة الإغماء، وهل توجد أعراض مصاحبة بعدها أم لا؛ لأنه يوجد الإرتجاج، ويوجد ما بعد الإرتجاج المخ؛ لذا يسمى ارتجاج المخ، أو أعراض ما بعد الإرتجاج، نفحص إذا كان بعدها قيء، أو ضعف في أحد الأطراف، رؤية مزدوجة، أو تأثر في القوى الذهنية والعقلية؛ كل هذا هام جدا كأعراض.
خلال الحياة اليومية في حال تعرض رأس الإنسان لضربة معينة، أو سقطنا في حوادث بسيطة؛ هل تنصح بالقيام بالفحوص للكشف عن خلل قد يكون أصاب المخ، هناك عوارض قد لا تظهر مباشرة، قد تظهر على الإنسان مع الوقت بسبب الإصابة؟
القاعدة أن نكون حريصين، لكن صحيح تحدث سقطات في البيوت أو في أماكن الشغل إصابة الرأس إصابات بسيطة، ملاحظة المريض بعد الإصابة هام جدا؛ فإذا ظهرت أعراض يجب وقتها الإتصال بالطبيب المختص.
بعض الناس ستقول أن الإصابات تحدث الآن ويظهر أثرها فيما بعد؛ هذا صحيح، لكنه يحدث بنسبة قليلة وفي نسبة في الحوادث التي تكون أكثر شدة، فالحذر واجب في كل الأحوال، لا يمنع أخذ رأي الطبيب، أو المختص خصوصا في أول 24 ساعة بعد الإصابة، هذا هام جدا ملاحظة الشخص.
الأطفال أكثر عُرضة لإصابة الرأس حركته أكثر ووعيه أقل؛ تركيب الجمجمة يختلف عند الأطفال، كيف نتعامل مع سقوط طفل على رأسه؟
عند الأطفال الرضع جزء مرن، غير مكتمل. والقلق من فئتين عمريتين؛ الأطفال الصغار حتى سن ثلاث سنوات، وكبار السن من ستون إلى ثمانون عاما؛ لماذا؟
لأن الأطفال الصغار كما تفضلتم وذكرتم، الجمجمة ليست مكتملة النمو أو الإلتحام، وفي نفس الوقت جزء منها مرن خاصة في الفترة الأولى، وعرضة أن السقوط أو إصابات الرأس تؤثر فعلا على المخ لأنه لن تمتص الصدمة بل تنقل جزء منها إلى المخ؛ ولذلك هذا موضوع هام، وفي إختبار اسمه SBS Checking Baby Syndrome تأخذ بعض الأمهات الرضع وترفعهم فيحدث إهتزاز للرأس، وقد يحدث نزيف تحت الأم الجافية، أو نزيف شبكية العين.
حتى عندما يقوم الأهل بهز الطفل، هذا أيضا مُضر؟
صحيح هذا مُضر، يُفضل تجنبه. في المعقول فلن يحدث شيء في الغالب، خصوصا كلما كان الطفل صغيرا، مثلا حديث الولادة هم أكثر عُرضة لإصابة الرأس فالأفضل عدم تعرضهم للهز، الفئة العمرية الأخرى هي كبار السن، لوجود فراغ قليل بين المخ والجمجمة وهم عُرضة للإصابات الخفيفة قد يحدث منها تجمع دموي تحت الأم الجافية تسمى subdural hematoma.
هل يقل حجم المخ؟
فعلا يقل حجم المخ عندما نتقدم في العمر، ويسمى ضمور جزئي.
أكمل د. جودة، العمليات التي يقوم بها جراحون الأعصاب تحديدا بالدماغ، هي عمليات معقدة وصعبة جدا، والعلم يتطور، ويتم دائما إيجاد طرق لتجنب أي أخطاء، أو ما يمكن أن يؤدي إلى أضرار مميتة أثناء هذه العملية الجراحية.
اليوم لدينا قصة من جامعة ديالي، هذه الجامعة في استراليا قاموا بتطوير تقنية جديدة، قاموا بتسميتها بالإبرة الذكية. بالفعل تتكون هذه الإبرة من مسبار تصوير دقيق، وهذا المسبار مزود بإبرة تشريحية ذكية، تسمح برؤية الشعيرات الدموية الدقيقة داخل الدماغ. حجم هذه الإبرة هو تقريبا بمقدار حجم شعرة الإنسان، تنبعث منها أشعة تحت حمراء لرؤية الشعيرة الدموية، قبل حتى أن تتضرر. يقول الأطباء أن الشيء المميز في هذه الإبرة، أنها متصلة بجهاز كمبيوتر يسمح للجراح برؤية الشعيرات الدموية الصغيرة جدا بشكلٍ مكبر، وأيضا تفاديها أثناء العملية الجراحية.
هل يمكن تفادي صغر حجم الدماغ مع تقدم العمر، أم هذا سيحدث ١٠٠٪؟
هذا السؤال واقعي، فالمخ مثل العضلات؛ العضلات تحتاج تدريب وكذلك المخ يحتاج إلى تدريب أيضا، وجدوا أن نسبة ضمور المخ، أو تأخر الوظائف العقلية في الناس التي تستخدم المخ مثل وظائف فيها استخدام للمخ أكثر؛ تكون أقل؛ إذا كلما استخدمنا المخ أكثر، كلما زادت الوظائف العقلية، فهذا شيء مهم جدا.
وبالنظر إلى الإبرة، التطور في مجالات الطب بصفة عامة وليس فقط في جراحات المخ والأعصاب، مرتبط إلى حد كبير بالتطور التكنولوجي، بمعنى أن جراحة الأعصاب، عندنا ثوابت؛ وهي الميكروسكوب الجراحي، اليوم الجراحة الملاحية (الملاح الجراحي) سواء كان الهيكل الذي يركب على الرأس، والذي أصبح frameless، الآلات التي نستخدمها في الجراحة.
في الفترة الأخيرة نستطيع أن نقول أنها تطورت كثيرا، هي الجراحة التنظيرية أو جراحة المخ بالمنظار، بمعنى أننا محتاجين أن ندخل بداخل تجويف المخ ونبدأ عملية الاستئصال، صحيح هي عمليات محدودة، ولكنها تساعد كثيرا، وموجودة.
فكانت الفكرة إذا كنا سنضع أنبوب لتصريف السائل النخاعي في تجويف المخ، نريد التأكد من أن نهاية هذا الأنبوب في المكان الصحيح؛ فتطرقوا إلى عمل منظار دقيق جدا يدخل من خلال الأنبوب، وتطورت الفكرة كما تفضلتم وذكر التقرير، أنهم ابتكروا اليوم نفس الإبرة التي نأخذ بها الخذعة، أو عينة من أورام المخ، إذا كانت في العمق، أو حتى استئصال جزئي، أن بها تقنية infrared أو الأشعة تحت الحمراء، وبالتالي نستطيع تجنب وجود شريان، مثل مناورة الجراح لتجنب إصابة المريض.