جُلّ البيوت التي تحوي بين جدرانها أكثر من طفل تُعاني من تلك المشكلة، فحين يولد الطفل الثاني في الأسرة ثم الثالث.. الخ، تظهر الغيرة، وفي بعض الأحيان تظهر بقوة وغائرة ويُصاحبها إتلاف للمُتعلقات والجو الصافي للأسرة. ولكي نتعرّف أكثر على تلك المشكلة نُلقي نظرة عن كثب مع المستشارة التربوية “ناريمان عريقات” على الأمر من جوانب مختلفة، طُرح عليها اسئلة وأجابتها في لقاء مُتلفز، فلنقرأ الآن.
ما هو مفهوم الغيرة بشكل عام؟ وغيرة الأطفال بشكل خاص؟
تقول أن الغيرة هي شعور مثله مثل أي شعور آخر كالغضب، والفرح، والذي تتفاوت درجته من شخص لآخر، ويوجد بشكل عام بين الأطفال والكبار. وعند الأطفال بشكل خاص، إذا شعر الطفل بالغيرة فإنه غالباً ما يلجأ إلى الهدوء التام، أو الغضب والصخب وفرط الحركة، لذلك فلابد أن تنتبه الأم إذا تغير سلوك طفلها عن الشكل الطبيعي أو الحركة الطبيعية المعتادة.
والكبار عامة لديهم القدرة على إخفاء مشاعر الغيرة بطريقة ما، لكن الأطفال غالباً ما تختلف ردود أفعالهم عن الطبيعي والمعتاد، كما أن الطفل لا يعبر عن مشاعره بشكل كبير وبالتالي هنا دور الأم في اكتشاف مشاعر الغيرة لدى طفلها أو تغير سلوكه بشكل عام.
والغيرة لدى الطفل تعتبر مشاعر سلبية لابد من اكتشافها؛ حيث أنها قد تسبب مشاكل نفسية واجتماعية حيث أن الغيرة لها درجات متفاوتة ولكن إذا كانت تعيق حياة الطفل مثلاً أصبح الطفل لا يذهب إلى مدرسته، أو ظهرت بعض اضطرابات النوم كقلة النوم ليلاً، أو التبول اللاإرادي، أو مشاكل صحية أخرى كالصداع أو آلام المعدة فلابد من اللجوء لشخص يمكنه مساعدة الأم، وقد تكون الغيرة هينة يمكن للأم أن تسيطر عليها من خلال قراءة كتاب تربوي مثلاً.
كيف يمكن للأم أن تسيطر على غيرة الطفل الأول تجاه المولود الجديد؟
تؤكد “عريقات” أن دور الأم في السيطرة على غيرة الطفل الأول تجاه المولود الجديد تبدأ منذ معرفتها بالحمل أصلاً؛ حيث يجب أن تمهد له ذلك عن طريق إخباره بشكل مبهج أنه سوف يكون له أخاً جديداً، فتظهر الأم وكأنه سيكتسب ميزة جديدة.
ثم تبدأ الخطوة التالية، والتي تقوم فيها الأم بجلب صور الطفل الأول منذ أن كان مولوداً، وتبدأ تحكي معه عن مراحل طفولته المبكرة وعن دورها معه في هذه المرحلة وعن الأشياء الجميلة التي جلبتها له أيضاً؛ فإذا راجعت الأم تلك الذكريات مع طفلها ستمحي بعض التساؤلات التي قد تتوارد في ذهن الطفل في إذا ما كان هذا الاهتمام بالمولود الجديد قد تم معه منذ ولادته أم لا.
كما يجب أن تقوم الأم بجعل طفلها يشاركها في اختيار الاشياء الجديدة الخاصة بالمولود، مع وضع كلا الاختيارات التي تناسب الأم حتماً، أو حتى الاختيارات العامة في التجهيزات الخاصة بالمولود الجديد.
وأخيراً، فلابد وأن تجعل الطفل يشاركها في حمل مسؤولية المولود الجديد، فمثلاً يساعدها في تغيير الحفاضات، أو أيضاً في نفس الوقت يجب أن تستخدم الأم هذه الأشياء في جلب ذكرياته في أيام طفولته الأولى مما يساعد في التخفيف من مشاعر الغيرة لدى الطفل بدرجة كبيرة، كما يفضل أن تجعل الأم طفلها يتحمل بعض المسؤوليات العامة بالمنزل حتى تجعله يشعر بأنه مهم وبأن الأسرة بحاجة إليه أيضاً.
وبالنسبة للأقارب الذين قد يظهروا اهتمام مبالغ فيه بالمولود الجديد في حضور الطفل الأول، ففي مثل هذه الحالات يجب أن تبادر الأم أو الأب بأن تمدح طفلها الأول بإنجازاته مثلاً أو تفوقه بالمدرسة أو أي شيء آخر قد يخفف من هذه المشاعر لديه.
كما تحذر “ناريمان” الأهل من توفير متطلبات الطفل الأول بشكل مبالغ فيه مما يجعله شخصاً مستغلاً جداً؛ حيث يبدأ في طلب المزيد والمزيد، وإذا فهم الأهل استغلال طفلهم فإنهم في الأغلب يتوقفون عن تلبية تلك الطلبات، ولكن حينها يبدأ الطفل بأن يشعر بأن أهله مقصرين، لذلك فلابد من الانتباه من البداية، كما يجب أن يبدأ الأهل بوضع الحلول التربوية التي ذكرتها “عريقات”.
أما عن غيرة الأطفال من أقاربهم الذين في مستوى أعلى مادياً، تؤكد “ناريمان” على أهمية أن تكون الأسرة واضحة مع الأبناء بقوانين معينة بالأسرة بعيداً عن إخبارهم بالمستوي المادي لها، فمثلاً يخبر الأب أبنه بأنه لا يفضل شراء هذه اللعبة نظراً لصغر سنه، وهكذا، وهذا يُعرف في علم النفس باسم “توجيه السلوك المعرفي” والذي يتم من خلاله تنظيم أفكار ومعرفة الطفل بشكل معين يمكن أن يوجه سلوكه ويقومه.
أما عن غيرة الأطفال كبار السن نسبياً، فيجب أن تحكي الأم مع الطفل الذي يغار منه أخوه، وتخبره أن أخوه مثلاً يقوم بهذه التصرفات لأنك تحصل على علامات نهائية، وهو لا يحصل على نفس العلامات وهو متفوق أيضاً ويبذل أقصى جهده، فتستطيع الأم بذكائها أن توفق بين الأخوين وتمحي تلك المشاعر السلبية بينهم.
كما يجب أن تشرك الأم أطفالها في نشاطات مشتركة حتى تمحي مشاعر الغيرة تلك، ولابد أن تهتم الأم باكتشاف موهبة كل طفل وتنميتها، حتى يكون كل طفل منفرد ومميز بموهبة ما.
ما هي الأسباب الحقيقية وراء غيرة الطفل؟
تقسم “عريقات” مشاعر الغيرة إلى قسمين: فقد تكون الغيرة من الطفل نفسه بغض النظر عن طريقة الأهل، أو قد تكون الغيرة بسبب الأهل نتيجة المقارنة بين الأطفال، أو التوقعات المبالغ فيها، أو الخطابات السلبية عموماً ومقارنة الطفل بأطفال العائلة بشكل عام.
وتؤكد “ناريمان” أنه يجب أن يشبع الأهل الاحتياجات العاطفية المختلفة لدى الأبناء؛ حيث أن مفهوم الحب عند كل طفل مختلف عن الآخر، فقد تصل مشاعر الحب للطفل من خلال قراءة قصة ما قبل النوم مثلاً، وطفل آخر قد تصل إليه مشاعر الحب من خلال الخروج والتنزه معه، لذلك فيجب أن تركز كل أم على الاحتياجات النفسية والعاطفية المختلفة لدى كل طفل.
هل يمكن أن تكون هناك مشاعر غيرة لدى الأم نتيجة اهتمام الزوج بالأطفال بشكل كبير؟
يجب أن تكون الأم ناضجة بدرجة كافية حتى تفصل بين مشاعر الأبوة ومشاعره ناحية زوجته، فمن الطبيعي أن تكون مشاعر الأب تجاه المولود الجديد مثلاً زائدة، فيجب أن تكون هي أيضاً سعيدة بالمشاعر الدافئة التي وجدت بالعائلة.
وكذلك قد تظهر مشاعر الغيرة لدى الزوج من المولود الجديد، وهنا يأتي دور الزوجة أيضاً في إثبات للزوج أن مشاعرها له مازالت مستمرة سواء بالكلام، أو بالفعل، أو بالمواقف.