عناصر الخطبة
- التأكيد على أهمية التوكل على الله في جميع أمور الحياة.
- بيان أن التوكل يكون مع اتخاذ الأسباب والجهود.
- الفهم الحقيقي للتوحيد والاعتماد الكامل على الله.
- فوائد التوكل تشمل الراحة، والسلام النفسي، والقوة في مواجهة التحديات.
- أهمية الثقة الكاملة بالله في كل جوانب الحياة.
- استعراض كيف يؤثر التوكل على تحقيق النجاح والتفوق.
- مثال من حياة النبي ﷺ يوضح كيف كان يتوكل على الله.
- أهمية التوكل عند مواجهة الأعداء والتصدي للظلم.
- كيف يحمي التوكل المؤمن من مكر الأعداء.
- كيف يساعد التوكل على الرضا بالقضاء والقدر.
مقدمة الخطبة
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ سورة النساء: الآية 1. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70، 71.
الخطبة الأولى
عباد الله: التوكل على الله ﷻ أن يسلم العبد أمره إلى الله رب العالمين، مع اطمئنان قلبه وثقته به وحسن ظنّه بحصول مطلوبة من أمور الدنيا والآخرة، فهو فضيلة ومقام من مقامات الدين. يقول ﷻ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ سورة المائدة: 23. ويقول ﷻ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ سورة الطلاق: 3.
فالتوكل على الله يكون بتبييت العبد نية الاعتماد عليه ﷻ، مع الأخذ بالأسباب، فهو القادر على كل شيء فأمره نافذ لا يعجزه شيء ولا يحول دون أمره حائل، فيسلم العبد أمره كله لله، وهذا التسليم يكون قبل وقوع الحدث، وإن كان التسليم بعد وقوع الحدث فهو صبر وكل منهما فضيلة. قال أبو علي الدقّاق: التوكل ثلاث درجات: (التوكل ثم التسليم ثم التفويض).
فمتى علم المؤمن معنى لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فلن يرى فاعلاً على وجه الحقيقة سوى الله ﷻ، فالنصر والتأييد والظفر والرزق والأجل والخلق والأمر بيد الله عز وجل وهو منفرد به لا شريك له سبحانه، فهو العالم القادر على كفاية العباد، فليس وراء منتهى قدرته قدرة ولا وراء منتهى علمه علم ولا وراء منتهى عنايته ورحمته عناية ورحمة. يقول الله ﷻ: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ سورة الأعراف: 54.
ونهاية التوكل على الله الرضا بكل ما يقدره الله ﷻ، ونهاية الرضا التوفيق، واذا وُفِق العبدُ كان الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وبذاك ينال العبد محبة الله. قال ﷺ: (… وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ…) رواه البخاري. يقول الامام الغزالي رحمه الله: متى رضيت بالله وكيلا، وجدت إلى كل خيرٍ سبيلا.
ومن مقتضى التوكل على الله الثقة به ﷻ. يقول الله ﷻ: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ سورة النمل: 79. ويقول الله ﷻ اخباراً عن رسله عليهم السلام: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ سورة إبراهيم: 12. أي: وما يمنعنا من التوكل عليه وقد هدانا لأقوم الطرق وأوضحها وأبينها (ولنصبرن على ما آذيتمونا) أي: من الكلام السيئ والأفعال السخيفة. (وعلى الله فليتوكل المتوكلون).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله ﷺ غزوة قِبَل نجد، فأدركنا رسول الله ﷺ – في واد كثير العضاه (شجر فيه شوك)، فنزل رسول الله ﷺ تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله ﷺ: «إن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلتُ: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، فشام السيف (رده في غمده) فها هو ذا جالس، ثم لم يعرِض له رسول الله ﷺ ولم يعاقبه وجلس») رواه البخاري.
ولا يكون التوكل على الله ﷻ إلا بالأخذ بالأسباب، لأن التواكل مذموم في الشرع وسوء أدب مع الله ﷻ، فالمؤمن يأخذ بكل الأسباب الممكنة التي في وسعه فيعملُ ويجدُّ ويجتهد، وقبل ذلك وبعده يفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه ﷻ ويثق بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. يقول الله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ سورة الانفال: 60.
ومن ثمرات التوكل في حياة المؤمن أن يعلم أنه معان منصور مؤيد من الله ﷻ ويرى ذلك واقعا في حياته، فتزول أسباب الخوف والقلق من حياته ويملأ الرضا قلبه فيكون راسخ الفؤاد ثابت القدم متعلقا بالله وحده. وهنا نقرأ حديث النبي ﷺ: «احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ» رواه الترمذي وأحمد
ومن أهم مواطن التوكل على الله ﷻ طلبُ النصر والظفر عند الدفاع عن الدين والأرض والعرض والمقدسات وعند مواجهة الأعداء الظلمة الغاصبين. يقول الله ﷻ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ سورة آل عمران: 173. و كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لقي العدو. قال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ». رواه الترمذي.
ويحضر التوكل دفعا لمكر الماكرين وكيد الكائدين. يقول الله ﷻ: ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ سورة هود: 54،56.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
عباد الله: اعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)،لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
اعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
والحمد لله ربّ العالمين..
⇐ المزيد من الخُطَب المُقترحة لنفس الموضوع: