مَن مِنا لا يُريد أن يبدأ يومه بجمع الخير والبعد عن كل شر؟ بالطَّبع فإن أدعية الصباح أو هي (أذكار الصباح) هي التي يجدر بك أن تبدأ بها. فهي التي ستأخذ بيدك إلى جوامع كل جميل في يومك إلى أن تُمسي وتنام على أمل أن تبدأ يومًا جديدًا بعده، وهكذا تسير الحياة.
نسوق إليك أدناه أدعية الصباح وتلك الأذكار التي وردَت عن النبي -صلوات ربي وسلامه عليه-. وقد أرفقنا معها نصائح نبوية صباحية ومعها إرشادات إسلاميَّة عطِرة، ليكون صباحك معطر بذكر الله -سبحانه- وتغنم الخير في يومك كله.
في كل صباح
فلتبدأ يومك بطيب الأدعية والأذكار والاستغفار؛ جدد التوبة يا صديقي من جميع الذنوب والمعاصي؛ بأن تكف عنها وتندم عليها، ولتعزم عزمًا أكيدًا على عدم معاودتها وألا ترجع إليها، وأن تؤدي الحقوق إلى أصحابها.
قال رجل لحاتم الأصم: «ما تشتهي؟».
قال: «أشتهي عافية يوم إلى الليل».
فقال له: «أليست الأيام كلها عافية؟».
قال: «إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه».
ومع أدعية الصباح أيضًا اعزم على أن تكف شرك عن الناس، وطهر قلبك من الغل لأَيٍّ مسلم. أتتذكر الحديث الشريف لذاك الصحابي – الذي بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه من أهل الجنة – لعبد الله ابن عمرو حين أقام معه ثلاثاً كي يرقب عبادته، فاستقلها، وسأله عما يكون قد بلغ به هذه المنزلة، فقال رضي الله عنه: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غِشًّا، ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: فقلت له: (هي التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق).
كما يجدر بك أن يكون همك وهدفك الآخرة؛ فقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (من كانت همَّه الآخرةُ، جمع له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمةً، ومن كانت همَّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كَتَبَ الله له).
وفي كل صباح يوم جديد، لتُدرِك أخي أنه يتعيَّن عليك أن تستحضر أن الله -عز وجل- يستعتبك، ويمد في أجلك عسى أن تتوب إليه وتقبل عليه؛ ولهذا المعنى كان النبي ﷺ إذا اسيقظ من نومه حمد الله على أن «رَدَّ عليه رُوحه وعافاه في جسده وأَذِن له بذكره»، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ليس أحدٌ أفضلَ عند الله من مؤمنٍ يُعَمَّر في الإِسلام، لتسبيحه، وتكبيره، وتهليله). وقال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه لجاريته حين أخبرته بطلوع الشمس: الحمد لله الذي وَهَبَ لنا هذا اليوم , وأقالنا فيه عثراتنا , ولم يعذبنا بالنار.
أدعية الصباح
أو أذكار الصباح والمساء؛ هي سنة سنها القرآن الكريم، وسنها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ حيث حث القرآن الكريم، وحثت السنة النبوية على ذكر الله -تعالى- في هذين الوقتين، وقد حث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على عدة أذكار تقال في الصباح والمساء، وقد جمع العلماء الأحاديث التي فيها هذه الأذكار، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام النووي في “الأذكار” (ص٧٦، ط/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت): [(باب ما يقال عند الصباح وعند المساء) اعلم أن هذا الباب واسع جدا، ليس في الكتاب باب أوسع منه، وأنا أذكر إن شاء
الله تعالى فيه جملا من مختصراته، فمن وفق للعمل بكلها فهي نعمة وفضل من الله تعالى عليه وطوبى له، ومن عجز عن جميعها فليقتصر من مختصراتها على ما شاء ولو كان ذكرا واحدا.
والأصل في هذا الباب من القرآن العزيز قول الله سبحانه وتعالى: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) [سورة طه: ١٣] وقال تعالى: (وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) [سورة غافر: ٥٥] وقال تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) [سورة النساء: ١٤٨] قال أهل اللغة: الآصال جمع أصيل: وهو ما بين العصر والمغرب.
وقال تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) [سورة الأنعام: ٥٢] قال أهل اللغة: العشي: ما بين زوال الشمس وغروبها.
وقال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله … ) الآية [سورة النور: ٣٦] .
وقال تعالى: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق).
ومن أدعية الصباح وأذكاره -كذلك- ما جاء في صحيح البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، إذا قال ذلك حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، أو كان من أهل الجنة، وإذا قال ذلك حين يصبح فمات من يومه … مثله» معنى أبوء: أقر وأعترف.
وروي في صحيح مسلم -أيضًا- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه»، وفي رواية أبي داود: «سبحان الله العظيم وبحمده»].
ويمكنك أن تواصل قراءة باقي الأذكار والأحاديث التي أوردها الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع “الأذكار”، والله أعلم.
وصايا نبوية صباحية
الأولى: استحضر قول نبينا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان، تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثر خطايا ابن آدم لسانه». فهل أيقنت أهمية هذا العضو ومدى تأثيره على يومك وحياتك وآخرتك.
الثانية: أمكث في مصلاك بعد صلاة الصبح؛ تذكر ربك حتى تطلع الشمس، ثم صلِّ ركعتين، وامكث -كذلك- بعد صلاة العصر، فإنه من أشرف أوقات الذكر.
واعلم أخي المسلم أن السلف الصالح -رضي الله عنهم- كانوا يكرهون الكلام في المساجد بعد ركعتي الفجر، حتى تطلع الشمس.
الثالثة: اجتهد في أن تجمع في يوم واحد بين: صوم تطوع، وعيادة مريض، وتشيع جنازة، وإطعام مسكين. فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم «ما اجتمعت هذه الخِصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة».
الرابعة: استحضر قول النبي المختار ﷺ: «من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِه مُعافًي في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذفيراها». لتدرك ما معك من نِعَم وما أغدقك به ربك عليك.
الخامسة: بادر بكتابة وصيتك بشيء من مالك: ثُلُثٍ أو أقل، إذا كان لك مال كثير وورثته أغنياء، فأوص به أقربائك من غير الوارثين، أو لجهة من جهات الخير؛ وإذا كان عليك دين، أو وديعة، أو عليك حقوق تخشى أن تضيع على أصحابها بموتك، فيجب عليك أن توصي بذلك حتى لا يؤاخذك الله بها. وكذا لك أن توصي بالعهد إلى من ينظر في شأن أولادك الصغار إلى بلوغهم.