إذا غاب الزوج عن البيت بعض الوقت، شهرا مثلا، فما الذي يجب أن تفعله الزوجة؟
وهذا واحد من الأجوبة:
كوني نظيفة جدا ودائما: اغسلي يديك ورجليك ووجهك. وضعي الزيت في شعرك. وارتدي أحسن ملابسك. وضعي الزهور في كل مكان. وإذا استطعت ان تغرسي أمام البيت شجرة فلا تترددي.. ولا تصادقي المتسولات ولا النساء اللاتي يتكلمن كثيرا.. وينقلن ما تقولينه من بيت إلى بيت.. فإذا عاد زوجك وجد المشاكل تنتظره.. وجد الشوك في الزهور. ووجد عتبه البيت في لون أظافر يديك وقدميك.. ولا تنسي ان الرجل إنما يثيره كل ما هو نظيف في البيت وفي صاحبة البيت.
جاءت هذه النصيحة في كتاب قديم عمره عشرون قرنا مكتوب باللغة السنسكريتيه، ولا أحد يعرف كم عدد الذين ألفوه..
الكتاب اسمه كاما سوترا وهو من أشهر الكتب في العالم. وهو كتاب ملعون أيضا. وهو ملعون عن سوء فهم في ذلك الوقت. ولكنه الآن لم يعد ملعونا إن أصغر الشباب يعرفون ما فيه.
والكتاب هو درس في السلوك العاطفي والجنسي بين الرجل والمرأة كما يقول المستشرق الانجليزي ريتشارد بيرتون الذي ترجمه.. ويقول أيضا: وكانت الفتيات الهنديات يقرأن هذا الكتاب قبل الزواج، لأن الغرض الأساسي من هذا الكتاب هو: كيف يكون الانسان سعيدا رغم إنه زوج؟!
واجابة أخري عن هذا السؤال جاءت في رواية وراء أي باب تحت أية نافذة من أي بيت للكاتب الأمريكي جنزبرج.. فقد تغيب الزوج الشاب عن البيت لبعض الوقت لأنه يعمل بحارا في إحدى السفن التجارية. وشاءت الصدفة – لابد أن تشاء الصدفة طبعا – أن يتغيب وان يزور الزوجة صديق قديم لها ولزوجها.. ويجد المؤلف مناسبة لتفجير الماضي كله.
يقول الصديق: أعرف ان زوجك غير موجود. وسوف يظل غائبا فترة طويلة. أنت لا تعرفين السبب ولكن عرفت ذلك أخيرا.. لن يجيء بعد أسبوع.. ان لنا حسابات قديمة مؤجلة.. وجاء زواجك مانعا شرعيا.. فما رأيك؟
وبدلا من ان تدعنا الزوجة نفكر في هذه المشكلة.. وبدلا من ان نشفق عليها.. فإنها تختصر تفكيرنا وصفحات الكتاب وتهجم على الصديق تقبله وتحضنه وتقول: أنت مغفل! زوجي لم يكن حاضرا أبدا.. لقد كان غائبا طوال الوقت.. ولكن أنت مغفل مرة أخري، لأنني لم أضع وقتي في انتظارك فقد كان هناك كثيرون..
ويخرج من تحت السرير شاب..
وهنا يدق جرس الباب وتدخل فتاة، إنها صديقة هذا الصديق. لقد أصبحوا أربعة.. وهذه أكثر من اجابة على ما الذي تفعله الزوجة اذا غاب عنها زوجها لأي سبب؟
أما الزوجة فقد كانت شبه عارية عندما دخل الصديق.. ولم يندهش لما رأي. ولم تحاول هي ان تغطي نفسها.. ولا علق أحد على هذا المشهد بكلمة واحدة!!
ومعني ذلك ان كل ما سمعنا وما رأينا وما خطر على البال وما صدمنا، شيء عادي، أو يجب أن يكون عاديا..
وبين كتاب كاما سوترا وبين رواية وراء أي باب.. الخ مئات الألوف من الكتب والروايات واللوحات، كلها حائرة الخطوط والألوان والمساحات والأحجام تكشف وتغطي وتبرز وتخفي من جسم المرأة والرجل.. وترسم الطريق وتمحوه أمام الضمير.
والمعني الذي يقصده الكاتب الأمريكي، وعشرات غيره من الأدباء الشبان هو: أن الإنسان حر، يفعل بنفسه وبجسمه وبغيره ما يريد!!
أما انه حر. فهذا صحيح.. وأن حريته في نفسه وفي جسمه لا حدود لها فهذا صحيح، أما حريته في ان يفعل بغيره ما يريد، فهذه هي المشكلة!!
لأن الغير هم حدود حريتنا.. هم أسوارها الحديدية.. وأسلاكها الشائكة.. وفي مسرحية الخبز واللحم التي ظهرت في لندن منذ سنوات يصعد شاب عريان تماما.. أو إلا قليلا.. وهو لا يتكلم. وكلما سألوه عن شيء اكتفي بالإشارة إلى مكان من جسمه.. وعلي المتفرج أن يستنتج ما يشاء. وغالبا لا يعرف ما الذي يستنتجه؟ ولابد أن المؤلف قصد من وراء ذلك: أن الممثل حر في أن يجيب عن الأسئلة التي يوجهها إليه ممثل آخر، ومن الغريب ان هناك إجابات عن هذه الأسئلة في النص المطبوع للمسرحية.. ولكن الممثل حر في الخروج عن النص أو الخروج من النص أو الخروج من المسرحية كلها بأن يصبح شيخا يراه الناس ولا يسمعونه يقول شيئا!!
فما المعنى؟
ان الانسان حر في الحياة، وفي الحياة التي يخلقها الكاتب على المسرح.. أي أنه حر عندما يكون متفرجا، وحر عندما يكون ممثلا.. فيكون ممثلا او لا يكون.. أو يكون الاثنين معا!!
فما المعنى مرة أخري؟
ما معنى الحرية هنا؟ الحرية هنا ليس لها معنى.. إنها عبث.. عبث بالحرية.. أو مجرد العبث: أي الخلو من المعني والهدف..
ولكن لماذا؟
وعن هذا السؤال إجابات كثيرة متضاربة تجعلنا نشعر بعد لحظات أننا أقمنا برج بابل من جديد.. وأننا حائرون وفي حاجة إلى من يرشدنا إلى خارج البرج.. وانه من الأفضل ألا يسمع الانسان كلاما، على أن يسمع أجمل الكلام.. أو أن نكتفي بأي كلام.. وبذلك نستريح من ضوضاء البرج. ويبدو ان عددا كبيرا من الكتاب قد اهتدوا إلى هذا الضلال الذي يعانيه الناس.. فأقام كل واحد منهم بيتا وقال: انه يعرف كل شيء..
ولأن الناس قد تعبوا، فاستندوا إليه وعليه.. وساروا وراءه في كل عاصمة.. أغنام وراء ذئب.. ولا خوف منه ولا خوف عليهم.
وهو موقف لا يبعث على الضحك أو البكاء.. وانما له شكل الأمر الواقع وجموده.. ولنا شكل الأعمدة الرخامية وبرودتها.. فنحن بالفعل نفقد العقل من أجل أن نريح العقل.. نحن بالعقل نغرق أنفسنا في الخمر وفي المخدرات، لكي ننسي ان لنا عقلا..
وبذلك تضيع الفوارق بين الذي يعرف الخمر، وبين المخمور. فالذي يعرف الخمر، يفهم أنواعها وتذوقها ويعرف حدوده.. أما المخمور فهو الذي لا يستخدم ذكاءه أو عقله في شيء.. وإنما هو يغرقها جميعا ويستريح، أو يتوهم ذلك!!
وفي مسرحية المأجور بربارة لبرنارد شو نجد مثل هذا الحوار:
– أنا أعرف الفرق بين الخطأ والصواب أنت؟! لا تقل ذلك! أنت الذي لا قدرة لك على العمل، ولا خبرة لك بالقانون، ولا ميل عندك للفن، ولا رغبة في الفلسفة أنت تعرف هذا اللغز الذي دوخ رجال الأعمال، وحير رجال القانون، وحطم الفنانين، وأضاع الفلاسفة.. أنت تعرف سر الخطأ والصواب.. أنت عبقري.. أنت أستاذ الفلاسفة والأساتذة.. وفي الرابعة والعشرين من عمرك!!
لا أحد يجرؤ على أن يقول ذلك دون أن يجد من يسخر منه.. ولكننا في العصر الحديث لا نسخر من الذين يدعون المعرفة بحدود الحرية.. ومدي نفعها وضررها للقيم الأخلاقية والجم إلية.. في الشارع وفي الطريق إلى المسرح، أو في الشارع الذي أصبح مسرحا أو في المسرح الذي انفتح وراء الستار، فالفواصل بين الشوارع والمسارح مسألة نسبية.. ان مسرحية الخبز واللحم تبدأ فصلها الأول في الميدان الموجود امام المسرح وبعد ذلك يمشي المتفرجون وراء الممثلين إلى داخل المسرح..
والكثيرون من الناس قد سمع عن مسرحية اسمها أوه.. كلكتا.. وهي مسرحية عارية.. بمعني ان الممثلين يظهرون عراة تماما بعض الوقت. والذين يذهبون إلى المسرح يتوقعون ذلك بين لحظة وأخري. وقد وافقوا على ان يروا ذلك.. ولكنهم يستنكرون ما يرون.. بعضهم يفعل ذلك.
لأن المسرح كالمعبد: مفروض ان يستمع فيه المتفرج إلى نصيحة بشكل مؤلم أو بشكل مضحك. وهو يستمتع بما يري وما يسمع.. ولأن المسرح كالمعبد فإن المتفرج متمسك بطقوس المعابد.. ولأن المسرح كالمعبد، فهو مكان مقدس او كالمقدس.. ولأنه مقدس، فالإنسان – اي المتفرج – يشعر بأنه صغير أمامه.. ولذلك يطلب منه وعنده نوعا من المساعدة!!
بقلم: أنيس منصور