سنُخبرك اليوم -أخي المسلم- بأحوال يستجاب معها الدعاء. ذلك بعد أن نحمد لله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب ولانت لقدرته الشدائد الصلاب، رب الأرباب ومسبب الأسباب، وخالق الخلق من تراب، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمي المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد: فإن الله شرع لنا الدعاء وأوصانا به، ووعدنا بالاستجابة متى أخلصنا وأيقنا برحمته وفضله، ولقد علمنا من شئون الدعاء ما يعيننا على اغتنامه ويمكننا من حسن استغلاله، فهو سلاح المؤمن يرفعه في وجه الصعاب فتسهل، والشدائد فتلين، والمهلكات فتنأى بفضل رب كريم.
علمنا النبي أن من الأوقات ما يستجاب فيها الدعاء كيوم الجمعة، وليلة القدر، ويوم عرفة، وعلمنا من الآداب ما يجب أن يتعهدها المسلم ويتحراها العبد في دعائه، حتى ينال رجائه، فقال من بين ما قال في هذا الشأن: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة).
كذلك لفت انتباهنا إلى تجاوزات قد يفعلها المؤمن دون أن يدري فيحرم استجابة الدعاء، كأن يستعجل أو يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يتعدى في الدعاء، وعلمنا كذلك -عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم- أن من الأحوال ما تجعل الدعاء أقرب إلى الاستجابة من غيرها، وهذا ما سيدر حوله موضوعنا في هذا المقال، فنسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الأحوال التي يستجاب معها الدعاء
حال الاضطرار والحاجة
من أهم الأحوال التي وعد الله عباده باستجابة الدعاء معها هو حالة كون العبد في ضر وخطر، وعجز مطلق عن دفع هذا الضرر، كالغريق الذي يرجوا النجاة، أو مريض تعذرت عليه أسباب الشفاء، أو ملهوف يسعى إلى تحقيق شيء لا يطيق الحرمان منه ولا يملك الوصول إليه، أو ضعيف يخشى بطش سلطان أو جبار أو ظالم، فكل من هؤلاء مضطرا يفتقر إلى سبيل النجاة ولا يرجوها إلا من الله.
وفي ذلك يقول الله عز وجل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون).
حال الصيام
أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن للصائم دعوة لا ترد، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه سلم- أنه قال: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد).
وقد جاء نفس المعنى في حديث آخر: عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر).
حال الوقوف بعرفة
من الأحوال التي يجبر الله فيها الخواطر ويحقق المطالب دعوة الحاج حال وقوفه بعرفة، وفي كل أحواله يوم عرفة وقد دل على ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» رواه الترمذي.
حال وقوع الظلم على العبد
إن مما علمنا النبي –صلى الله عليه وسلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، قد حذر الله منها وأمرنا أن نتقيها بكل ما أوتينا من قوة حيث جاء عنه -عليه السلام- أنه قال: «اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحمل على الغمام؛ يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».
حال كون الداعي أمّاً أو أبّاً
دعوة الوالد على ولده أو الوالدة من الدعوات المستجابة، ومن ثم فقد أمر النبي أن يتحر الوالد ما ينطلق به لسانه فلا يدع على ولده بمكروه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده).
حال الدعاء بظهر الغيب
الدعاء بظهر الغيب من المسلم لأخيه مظنة الاستجابة لما فيه من الإخلاص وانتفاء الرياء والصدق، كما تؤمن عليه الملائكة، فمن يدع لأخيه فكأنما يدع لنفسه، حيث يقال له: لك مثل ذلك.
الدعاء حال السفر
السفر مظنة الوحدة والخوف والمشقة، والضعف فكون المسافر في سفره غريبا مضطربا يجهل ما يخفي له السفر، فأكرمه الله بخاصية استجابة الدعاء، شريطة أن يكون السفر سفر طاعة لا سفر معصية.
وقد دلت السنة على ذلك إذ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ثلاث دعوات يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده”، قد تقدم ذكر الحديث.