الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وأصحابه وأنصاره ومن والاه ومن تبع هديه وسار على نهجه إلى يوم الدين، ثم بعد: فإن الله خلقنا في هذه الحياة وأعلمنا أنها دار اختبار وادخار وليست دار نعيم أو قرار، وإن كانت الحياة الدنيا لا تخلو من المتعة وأسباب السعادة والزينة إلا أنها في النهاية مرحلة مؤقتة، يزرع العبد فيها أعمالا تحدد ما سيحصده في الدار الباقية.
ولقد علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن نقدم لأنفسنا ما ينفعنا وندخر لها ما يعيننا على النجاة من فتن المحيا والممات.
كذلك علمنا أن نحسن إلى من أحسنوا إلينا من آبائنا وأمهاتنا وغيرهم، بالسؤال عنهم ومد يد المساعدة إليهم والقيام على رعايتهم وخدمتهم، هذا في حياتهم، أما بعد موتهم فمن فضله ورحمته بنا أن لم يقطع حبل الود والإحسان بيننا وبينهم، ومن ذلك أن دلنا على بعض الأعمال التي يصل ثوابها إليهم، وهنا سوف نتعرف على الطرق التي يمكننا أن نسلكها في سبيل الإحسان إلى أنفسنا وإلى موتانا، فلعل الله يسخر لنا بعد موتنا من يحسن إلينا ويتذكرنا.
قدموا لأنفسكم
هناك من الأعمال ما يظل ثوابها بعد الممات ويدخر أجرها للأخرة ومن ذلك:
الصدقة الجارية: وهي من الأعمال التي يظل ثوابها جاريا ما دام الانتفاع بها متجدداً وجارياً، فيجب على المسلم أن يكون فطنا ويحرص على تعمير آخرته كما يعمر دنياه ومن تعمير الآخرة أن تدخر لنفسك رصيدا يقيك حر جهنم، ويرحمك من ويلات يوم القيامة، وخير ما يحقق ذلك الصدقة الجارية، والصدقة الجارية قد تكون وقفا ينتفع به أو مال يتصدق به الإنسان لبناء مسجد أو مستشفى، أو كسوة يستر بها مسلما أو مصدر رزق يوفره لفقير أو عاجز عن الكسب.
العلم النافع: من أفضل ما يخلفه المرء من بعده علم ينتفع به، ولم يحدد الشارع أي علم، فالعلم يشمل كل مجال من مجالات المعرفة يستطيع الإنسان أن ينتفع بها في حياته أو عبادته، فمن يعلم المسلمين أمرا من أمور دينهم أو يقدم لهم معرفة تسهل عليهم حياتهم، فهو من باب العلم النافع، وما دام الإنسان يحتسب أجر ذلك العلم عند الله فإن شاء الله سيكون في ميزان حسناته.
تفريج الكروب: تفريج كروب الناس وإقالة عثراتهم، ومد يد العون والسعي في حوائجهم من الأعمال التي يبقى أثرها ويدوم عند الله ثوابها، فيفرج الله به كرب يوم القيامة، ويثبته عند السؤال، ومما يدل على ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»
أما الإحسان إلى الموتى
ويكون الإحسان إلى الموتى بأمور منها:
ادعو لموتاكم: الدعاء جند من جنود الله سخره لخلقه، يلوذون به عند الشدة وقلة الحيلة ليخفف الله عنهم ويمدهم بعونه، وكما أن الدعاء يصنع في حياة العبد فارقا وقد يغير حاله من الضعف إلى القوة ومن التعب إلى الراحة، فكذلك يصنع فارقا في حال الميت.
الميت في قبره لا يعلم حاله إلا الله، فقد يكون في خير وقد يكون في شدة وعذاب والعياذ بالله، ومن فضل الله ورحمته أن شرع للأحياء الدعاء للأموات، فمتى دعا مسلم للميت بالرحمة والمغفرة والنجاة من العذاب، فيرجى مع ذلك التخفيف عن الميت واللطف به، فالدعاء للميت أمر له أثره ونفعه، وقد دل على ذلك ما جاء في حديث بي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ومع أن الحديث ربط الدعاء بالأبن إلا إنه جائز من أي إنسان.
تصدقوا عليهم: من أوجه الإحسان إلى الميت أن يخصص الأنسان صدقة على ذمته، ينتفع بها الحي وينال أجرها وبركتها الميت، والصدقة تشمل كل مال يمكن إخراجه وحبذا لو كان من مال الميت نفسه.