المتوجه إلى سفر بعيد يعد نفسه ويدخر له زادا يعينه في سفره، ولما كانت الرحلة شاقة وطويلة فمن الحكمة أن يختار من الزاد أخفه وزنا وأغلاه قيمة وأكثره نفعا، وهكذا المسلم في طريقه إلى الله يبحث عن أيسر الأعمال وأحبها إلى الله، فيحسن إلى نفسه بالتيسير عليها وتحصيل أعظم الأجر وأطيبه من الله عز وجل، وهنا سوف نقوم بجولة بين الأعمال التي نقلتها لنا السنة النبوية ووصفتها بأنها أفضل الأعمال أو أحبها إلى الكبير المتعال، فنتشبث بها ونمسك بتلابيبها، حتى ننال رضا الله وثوابه العظيم، ونعيمه المقيم الذي ينتظر الساعين إليه.
حرص المسلمين الأولين والصحابة المقربين على طاعة الله التقرب إليه
المسلم حريص كل الحرص على طاعة ربه، وتحصيل الأجر، يبحث عن السنن ويسأل عن القربات يتلمس بين دفتي الكتاب والسنة كل ما يقربه من رضا الله عز وجل، وأن يقدم لنفسه ما يقيه ويلات يوم الحساب، لذا كان المسلمون الأوائل يبحثون ويسألون النبي عن أحب الأعمال إلى الله وعن أفضل القربات، فيأتيه أحدهم طالبا أن يوصيه، فيوصيه بأن لا يغضب، ويأتي الأخر يشكو إليه كثرة العبادات ويسأله عن عمل جامع عظيم الأجر خفيف على المسلم، ثقيل في ميزان حسناته، فيدله النبي على ذكر الله، ويسأل ثالث عن أحق الناس بحسن صحابته، فيخبره النبي أنها أمه، ثم أمه، ثم أمه، ثم أبيه، وكل هذه الحوارات التي دارت بين النبي وأصحابه إن دلت فإنما تدل على حرصهم وعنايتهم الفائقة بمعرفة أقصر الطرق وأيسرها وأفضلها للفوز برضا الله عز وجل وتحصيل ثوابه العظيم.
والمتعرض للسنة النبوية الدارس لها يلاحظ أن إجابات النبي –صل الله عليه وسلم- على أصحابه كانت تختلف من موقف لآخر ومن صحابي لآخر مع أن السؤال مفاده واحد، وهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، فنجده مرة يخبر أن أفضل الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، ومرة يجيب بأن أفضل الأعمال سرور تدخله على قلب مسلم، ومرة يخبر بأن أفضلها الجهاد في سبيل الله، ويفسر علماء السنة هذا الاختلاف والتباين في الإجابات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب كل صحابي بما يناسبه وتنصلح به عبادته، وما يجبر به تقصيره، وهذا لا يتنافى مطلقا مع كون تلك الأعمال التي أخبر بها الني تقع ضمن أفضل الأعمال وأثقلها في الميزان وأحبها إلى الرحمن.
إدخال السرور على المسلم
من الروايات التي ذكرت أحب الأعمال إلى الله ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا).
فقد ذكر النبي هنا جامع إحسان المسلم للمسلم وتعاونه معه وتقديم المساعدة له عند الحاجة، وهذا من أحب الاعمال لأنه النموذج الأمثل للعلاقة بين المسلمين والتي يحبها الله ويرضاها لهم.
الصلاة على وقتها
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: (سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، وقال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)، وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أهمية الصلاة في أول قتها والتنفير من تأخيرها لأخر الوقت، حيث أن تأخير الصلاة مظنة ثقلها على الإنسان وعلامة تكاسله عنها، وسبب من أسباب عدم الخشوع فيها.
الجهاد في سبيل الله
ومن الأحاديث التي بينت مرتبة الجهاد وأنه من أحب الأعمال إلى الله الحديث سابق الذكر، وذلك لأن الجهاد في سبيل الله من أعظم التضحيات التي يقدمها الإنسان، فهو مظنة الموت، والاستشهاد، وعلامة الإيمان وصدق محبة الله، وهو من أشق الأعمال على النفس.
بر الوالدين
كذلك يبين الحديث أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله، وأعظمها أجرا، ولا عجب فقد جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين مباشرة بعد الأمر بعبادة الله وتوحيده، هذا نظرا لمكانة الأبوين في الإسلام وعظم حقهما على الإنسان.
أدوم الأعمال
سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ ؟) قال: (أدوَمُها وإن قلَّ)، وهذا إشارة إلى أن المداومة على العمل من الأمور التي يحبها الله من عباده، ففي المداومة والالتزام معنى الثبات والمجاهدة، كما أن المداومة على العمل ادعى لتحصيل ثوابه وإحراز فضله، وهو ادخار للمؤمن ينتفع به عند الشدائد والنوازل.