ما انفك طلاب العِلم والأئِمَّة والدارسون والخطباء يبحثون عن أحاديث عن صلة الرحم من سُنَّة النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- يبنون عليه أبحاثهم ويحضرون به خُطبهم ودروسهم ومجالس العلم التي يحضرونها. وهُنا، يقدم لكم موقعنا (موقع المزيد) باقة تضم ١١ حديث عن صلة الرحم مع بيان درجة الحديث والرواة والكتب التي ورد بها.
صِلوا الأرحام
اتقوا الله -عباد الله- تنالوا رضاه، وتكونوا ممن أحبه وارتضاه، وتقبل عمله واصطفاه ﴿ِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
أيها المؤمنون، إن من حكمة الله البالغة أن خلق الناس أرحاما؛ فكان ذلك نعمة من أعظم النعم، ومنة من أكرم المنن، وقد صور النبي ﷺ الرحم في صورة غاية في الحسن، فالرحم كالشيء الحار الذي تذهب حرارته بالماء، فيكون على الواصل بردا وسلاما، فقال في محفل جمع فيه رحمه: «غير أن لي بكم رحما سأبلها ببلالها».
وإن في هذا الهدي النبوي إشارة من طرف خفي إلى أن صلة الرحم نجاة من العقاب، وباب واسع من أبواب الثواب، وإذا كان نبي الرحمة ﷺ يقول هذا القول في شأن رحمه الذين لم يستجيبوا له، فكيف بشأنه في رحمه الذين آمنوا بدعوته واتبعوا هداه! ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
ثمرات صلة الرحم
يا أيها الذين آمنوا؛ لقد سمى الله تلك العلاقة التي تكون بين ذوي القربى رحما؛ فاشتق لها اسما من اسمه الرحمن؛ لتكون تلك العلاقة قائمة على الرحمة؛ فيواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويأخذ محسنهم بيد مسيئهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، وحسب ذي الرحم جائزة أن الله يصله، يصله بكل خير؛ فتجده مباركا له في عمره، موفقا في عمله، ميسرا له في ماله، محاطا بعناية الله في أهله، فرحا برحمة الله وفضله.
ومن قطع رحمه كان محروما من تلك الهبات، مقطوعا عن تلك العطايا والحسنات، وحسبه خزيا أن الله يقطعه كما قطع رحمه، وإن هذه المعاني التي يطول القول بشرحها اجتمعت في الحديث القدسي الذي يرويه النبي الكريم عن ربه تبارك وتعالى: «أنا الرحمن، خلقت الرحم، واشتققت لها اسما من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته».
قاطع صلة الرحم
ولما كانت صلة الرحم – عباد الله- رأس كل خير، وسببا للتعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به المؤمنين، كان قطعها أيضا قرين الإفساد في الأرض، وسببا للطرد من رحمة الله؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول -في آية قرآنية عن صلة الرحم وردت في سورة محمد ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ | أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ | أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.
وقد ثنى الله بذكر حق الأقربين بعد ذكر حقه وحق الوالدين، وما ذلك إلا دلالة على عظم حقهم، وحض على القيام بواجبهم. فلما ذكر الله جل جلاله الإنفاق ذكر حقهم بعد حق الوالدين، فاسمعوا – أيها المؤمنون- جواب ربكم لمن سألوه عما ينفقون ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.
ولما ذكر الله إيتاء المال على حبه في آية البر ذكر ذوي القربى أولا فقال: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾.
ولما قضى الله قضاءه الذي لا يرد بعبادته وحده لا شريك له وبالإحسان إلى الوالدين، ذكر حق ذي القربى فقال جل جلاله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾.
وكم من إنسان عظيم الإحسان إلى أقربيه ما كان يشعر به الناس، فلما لحق بربه انتشر شذا فعله الجميل، وذاع صيت إحسانه؛ لينقلب له دعوات ترفعه عند الله، وحسنات تمتلئ بها صفحاته ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾.
وجوه وصور صِلة أولو الأرحام
اعلموا أن صلة ذي الرحم ليست مقصورة على زيارته، بل صلة الرحم لها وجوه كثيرة، وصور متنوعة، وإن من أعظم صلة ذي الرحم نصحه وإرشاده، وتوجيهه وحثه على الاستقامة ومداومة الطاعة؛ فمن رأى في قريبه اعوجاجا قومه، أو خطأ صححه ووجهه، بل إن الأقربين أولى الناس بالنصيحة والإرشاد، فقبل أن يقول الله لنبيه ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾. قال له: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾.
وإذا كان الإنسان مأمورا أن يقول للناس حسنا فإن أولى الناس بأحسن ذلك الحسن من القول هم أولو الأرحام. ومن وجوه صلة الرحم عظيمة القدر عند الله السؤال عن فقيرهم وقضاء حوائجه، ومن كان قادرا على فتح باب رزق لقريبه فتح الله له بابا من أبواب معونته «فمن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
وعلى المؤمن الحق أن يتقي الله ربه، فلا يحملنه رحمه على الوقوف مع قريبه في ظلم أو شهادة زور أو تقديمه في أمر ليس أهلا له على حساب الآخرين، بل عليه أن يدور حيث دار الحق، مستجيبا لنداء الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
أحاديث عن صلة الرحم
وقد أطنبت السنة النبوية بأحاديثٍ كثيرة عن هذا الأمر، وأدناه، سنسوق لكُم بعض أحاديث عن صلة الرحم مع الحكم على كل حديث وبيان إسناده وتخريجه.
١. الحديث الأول الوارِد في صحيح الترمذي عن أبو هريرة -رضي الله عنه-، يقول فيه أن النبي ﷺ «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر».
٢. ثم من رواية سلمان بن عامر الضبي -رضي الله عنه-، مع حديث صحيح عن صلة الرحم ورَدَ في الجامع الصغير وصحيح الجامع، يقول فيه رسول الله ﷺ «صدقة ذي الرحم على ذي الرحم صدقة وصِلة».
٣. وفي صحيح الترغيب والجامع الصغير وصحيح الجامع، عن سلمان بن عامر الضبي أيضًا، أن الرسول ﷺ قال «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة».
٤. وهنا، عن عمرو بن سهل -رضي الله عنه- أن سيدنا محمد ﷺ قال «صلة القرابة مثراة في المال محبة في الأهل منسأة في الأجل»؛ وهو حديث وارد في النوافح العطرة والجامع الصغير.
٥. وفي الآداب الشرعية وسنن الترمذي وصحيح ابن ماجه وغيرهم، نجد الحديث الصحيح الذي رواه أبو بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- يقول فيه النبي ﷺ «ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم».
٦. ونقرأ في صحيح الترمذي حديث صحيح عن فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها، يقول فيه رسول الله ﷺ «الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله». وفي لفظٍ في صحيح البخاري «إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته».
٧. وهنا حديث قدسي عن صلة الرحم ورد في صحيح أبي داود، يقول فيه رسول الله أن الله -تعالى- قال «أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها اسما من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته».
٨. وإليكم تاليًا حديث عن صلة الرحم من كتاب رياض الصالحين ورد في صحيح البخاري؛ من رواية أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن المصطفى ﷺ سأله رجل عن عمل يدخله الجنَّة، فقال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم».
٩. وتقول السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في حديث قطع الرحم ورد في صحيح مسلم، يقول رسول الله ﷺ «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».
١٠. وهنا في صحيح البخاري نقرأ من رواية أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال «خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك». ثم قال أبو هريرة: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
١١. وهنا حديث صلة الرحم تزيد في العمر -كما يختصره البعْض-، وهو من رواية عبدالله بن مسعود، ورد في صحيح الجامع، يقول فيه الرسول ﷺ «صلة الرحم تزيد في العمر، وصدقة السر تطفئ غضب الرب».
وأخيرًا؛ فقد ذكرنا لكم أعلاه أحاديث عن صلة الرحم؛ منها من قول النبي -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- ومنها القدسي. سائلين المولى -عزَّ وجل- أن تنتفعوا بها جميعًا.