نعم يا إخواني، فقد اخترت لها هذا الوصف، فهي فعلا واحدة من أجمل الخطب المنبرية المكتوبة. وهي تحت عنوان: حُرمة دماء أهل الذمة والمُستأمنين — تحقيق الأمن في دار الإسلام. ومن العنوان —أعتقد— أنكم أدركتم مدى أهمية هذه الخطبة المباركة، وما تحمله من رسائِل وعظية وإرشادية في غاية الخطورة؛ وما يندرج تحتها من أحكام وجزاءات.
الخطبة من إلقاء فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ —جزاه الله خيرا—؛ ولكننا —كعادتنا— وفَّرناها لكم مكتوبة في موقع المزيد.كوم؛ سائلين الله ﷻ لكم كل التوفيق والسداد.
مقدمة الخطبة
الحمد الله، يُحِقُ الحقِّ ويُبْطِلُ الباطل ولو كره المجرمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا شريك له في حُكْمِه وأمره، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون..
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، وتركنا بعده ﷺ على بَيضاءَ من الطريق والسبيل، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فصلى الله وسلَّم على نبينا محمد كفاء ما أرشد وعلّم، وكما أمرنا ربنا ﷻ، وعلى الآل والصحب أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد… فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله حق التقوى..
الخطبة الأولى
عباد الله، إن الله ﷻ فرض على العباد توحيده، وفرض على العباد أن يوحدوه في الربوبية وفي الألوهية وفي الأسماء والصفات، وأن يجعلوا شريعته هي الحاكمة في كل ما يختلفون فيه ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: ٤٠]، وبعث رُسُله – عليهم صلوات الله وسلامه – لتكون شريعته هي الحاكمة وحدها، ولتكون آياته المتلوة هي المنفذة وحدها، والله ﷻ وعد عباده الذين آمنوا به ربَّا، وبنبيه محمد ﷺ رسولا نبيًّا، وبدين الإسلام دينا؛ وعد من رضي ذلك بالأمن التام يوم القيامة، وبالأمن في الدنيا، قال ﷻ ﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمَنُ وَهُم مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام].
وهؤلاء الذين آمنوا ولم يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم هم الذين حققوا شريعة الله ﷻ بحسب ما في وسعهم من ذلك؛ قال ﷻ: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] وهم الذين امتثلوا قول الحق ﷻ: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج]، فجعلﷻ هذه الأمة التي وعدها بالتمكين هم الذين أقاموا الصلاة وأمروا بها، وآتوا الزكاة وجمعوها على وفق الشريعة، وأمروا بالمعروف، وأعلاه وأسه التوحيد، ونَهَوا عن المنكر، وأرذله وأقبحه الشرك، والله عاقبة الأمور فيما يفعل وفيما يختار.
فالله ﷻ وعد الأمة التي آمنت وحققت توحيد الله بالأمن؛ إذ الأمن أنواع؛ فأعظمه أمن الدين وأمن العقيدة وأمن التوحيد، وألا يُعبد في أرض الله إلا الله وحده لا شريك له، وألا يُحكم إلا بشريعة محمد، فهذا هو أعلى أنواع الأمن، ألا وهو الأمن العَقَدي.
وهذا الأمن إن حققته أُمَّة الإسلام فإنها بتحقيقها شريعة الإسلام وبتطبيق أحكامه فإن لها الأمن النفسي في الأرواح وفي الأموال وفي الذوات، ولهذا أمر الله ﷻ عباده أن يقيموا القصاص تاما، وجعل إقامة القصاص حياة للمؤمنين، بل للناس جميعًا، قال ﷻ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩]. قال العلماء: نگر «حياة» هنا ولم يقل: «الحياة »؛ لأنه بذلك تدخل جميع أنواع الحياة المستللة السعيدة.
ولهذا أيضًا جعل الله ﷻ من لم يحقق الأمن النفسي الذاتي في نفس واحدة فكأنه لم يحقق الأمن في الناس جميعًا، قال ﷻ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]، فالذي يُحْيِي النفس بترك إزهاقها فكأنما أحيا الناس جميعًا، والذي يُهلك النفس بغير حق وبفساد في الأرض فإنه كأنما أهلك الناس جميعًا؛ لأن النفوس في المجتمع الذي يحكم بشريعة الإسلام تُعد نفسًا واحدة ليست بمتعددة؛ إذ حمايتها فرض على الجميع، والحظ هذا مع قول الله ﷻ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] جعل لَمْزَ المسلم للمسلم وجعل الاعتداء عليه في عرضه اعتداء على النفس ذاتها، ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾، إذن كان إهلاك النفس الواحدة إهلاكا لجميع الأنفس، وكان إحياء النفس الواحدة إحياء للأنفس جميعًا.
قال المفسرون: هذا يشمل في دار الإسلام النفس المؤمنة الموحدة وكذلك من أعطته النفسُ المؤمنة الموحدة الأمان من النفوس التي هي غير مؤمنة، كأَنْفُس الذَّمِّيِّينَ وأنفس المستأمنين والمعاهدين. فصار الأمر — أيها المؤمنون — أنه في دار الإسلام التي تحكم بشريعة الإسلام إزهاق نفس واحدة كإزهاق الأنفس جميعًا، لا فرق في ذلك، وأن ترك إزهاق الأنفس بغير حق هو إحياء للناس جميعا. قال طائفة من المفسرين: معنى الآية أن من أحيى نفسًا واحدة فقد أحيا الناس جميعًا يعني في الأجر، فله بترك التعدي أجر ذلك فضلا من الله ونعمةً، ومن أهلك نفسًا واحدة بغير حق فإن عليه وزر إهلاك الأنفس جميعًا.
وتذكر هذا مع قول النبي ﷺ في وصف ولد آدم الذي قتل أخاه بغير حق، قال: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».
أيها المؤمنون، إن المسلمين مطالبون بتحقيق أمر الله ﷻ في دار الإسلام؛ بأن يُؤَمِّنُوا أنفسهم وإخوانهم المسلمين من أنواع الاعتداء على الأنفس وعلى الأموال وعلى الأعراض، وأن يُؤَمِّنُوا من أعطاه المؤمنون الأمان أو العهد؛ إذ قد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال في المؤمنين «يسعى بذمَّتِهم أدناهُم». يعني: من أعطى الأمان من المؤمنين لواحد ممن ليس من أهل الأمان من الكفار فإنه يجب على الأمة أن تعطيه الأمان لأجل أنه أُمِّن «يسعى بذمَّتِهم أدناهُم»، وبهذا يتحقق الأمن في الأمة المسلمة ويتحقق وعد الله ويتحقق تطبيق شريعة الله ﷻ.
لهذا كان من لم يحقق هذا النوع من الأمن في بلاد الإسلام وفي دار الإسلام التي تحكمها شريعة الإسلام ويحكمها ولي الأمر المسلم؛ كان من لم يحقق ذلك عند الفقهاء خارجًا عن شريعة الإسلام ومضادا الله ولرسوله، يعني محاربًا الله ولرسوله، قال ﷻ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا﴾ [المائدة: ٣٣].. الآية.
قال هنا ﷻ ﴿يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قال العلماء من السلف والخلف: أي: يضادون أمر الله وأمر رسوله في تحقيق الحياة للأنفس جميعًا؛ من أنفس المؤمنين وأنفس المعاهدين والمستأمنين. وجعل في ذلك الفقهاء حَدَّ الحِرَابة، يعني حد المعارضين لأمر الله وأمر رسوله بتحقيق الأمن في مجتمع الإسلام وفي دولة الإسلام التي تحكم بشريعة الإسلام؛ إذِ «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»؛ كما جاء في الحديث.
أيها المؤمنون، نخلص من هذا إلى أن إزهاق نفس واحدة؛ سواء نفس مسلمة أو نفس أعطاها المسلمُ الأمان بأن تكون من الأنفس المعاهدة أو المستأمنة، أو من الذُّمِّيِّين في دار الإسلام؛ بالاعتداء على الأموال؛ أن في ذلك إخلالا بأمر الله وبأمر رسوله، ويكون الفاعل في طرف يقابل ويعارض أمر الله، وأمر رسوله، ويعارض شريعة الإسلام، فيكون إذن محارِبًا الله ومحاربًا لرسوله ﷺ ؛ إذ يدخل في محاربة الله ومحاربة رسوله دخولا أوليًا أن تكون المحاربة بمعارضة مراد الله ومراد رسوله بتحقيق الأمن في الناس.
وقد ذكر أصحاب الصحاح من كتب الحديث قصة العُرَنِيِّينَ الذين أتوا إلى رسول الله ﷺ في المدينة مسلمين، وكانوا قد استوخموا المدينة وأصابهم فيها نوع مرض لِجَوِّها الذي لم يعتادوه، فأمرهم النبي أن يلحقوا بإبل الصدقة، وكانت خارج المدينة، وأمرهم ﷺ بأن يشربوا من ألبانها ومن أبوالها، فلما شربوا من ذلك واستصحوا وتعافَوْا قتلوا الراعي وسملوا عينه وساقوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فأمر فئة الأنصار أن من تلحقهم، فلما لحقوهم أتوا بهم واقتادوهم إلى المدينة، فأمر بهم النبي الله أن تُقطَّع أيديهم وأرجلهم وأن تُسْمَلَ أعينهم بالحديد الساخن، يعني أن تُخْرَق أعينهم، وأن يُتركوا في الحَرَّة، ولم يُحْسَمُوا من جَرَّاء القطع، وتُركوا يستسقون فلا يُسقون حتى هلكوا بعد مدة قضوها.
وقال أهل العلم فيهم نزلت آية الحرابة هذه: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة]. قال العلماء: من قتل مؤمناً أو مستأمَنًا غِيلةً — يعني وهو آمِنُ — فإنه ليس لأحد أن يعفو عنه؛ إذ الغيلة لا عفو فيها، وإنما العفو أو جريان بعض الأحكام فيما إذا واجهه وقتله بعد نزاع، أما أن يأتيه بمأمن منه ويقتله فإن ذلك خروج عن أمر الله وأمر رسوله، وسعي في الأرض بالفساد، وإعلان لمحاربة الله ورسوله في المراد من الشريعة بأن يشيع الأمن في دار الإسلام.
إذا تحقق ذلك وتأصل هذا من جهة الشرع وفهمناه وعلمنا ما جاء في ذلك من الأحكام فنعود إلى ما حصل وعلم من تلك الفعلة القبيحة التي شابهت الفعلة التي قبلها؛ فعلة التفجير الذي حصل في شرق هذه البلاد، وإنها لفعلة زادت في السوء ومخالفة الشريعة ومحاربة الله ورسوله عن الفعلة التي فعلت قبلها، زادت في ذلك لأنها مع أنها اشتركت مع الأولى في قتل مستأمنين ومعاهدين دخلوا لهذه الأرض بأمان ولا بد أن نحقق فيهم قول النبي ﷺ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». تحقق ذلك وزاد عليه أنه حصل في ذلك اعتداء على نفوس مسلمة بقتل أو بجرح أو بإسالة دماء أو بترويع، وهذا يظهر فيه بالإجماع أنه محاربة الله ولرسوله وسعي في الأرض بالفساد.
إن محاربة هذه الأفعال واجب على كل مسلم يخشى الله، ولا يكون في صف الذين يحاربون الله ورسوله؛ إذ العلم الشرعي ونصوص الكتاب والسنة ليس فيها حتى الشُّبَه التي تكون معها تلك الأفعال ليست محاربة الله ولا لرسوله، إلا أن يكون في ذلك من الشبه الشيطانية التي ليس لأصحابها عذر في الشريعة؛ لأن العلم ظاهر، ولأن الدلائل بينة.
وقد ساق أهل العلم فيما بعد تنفيذ حكم الله ﷻ وحكم رسوله الله في المجرمين الذين فعلوا ما فعلوا في التفجير الذي كان في [العُليا]؛ ساقوا من الأدلة والبراهين التي من اطلع عليها انقطع عنه عذره وانقطعت عنه الشبه فيما إذا فُرض أن ثم شُبها، والحقيقة أن كتاب الله ﷻ يتلى وأن سنة النبي ﷺ في هذه البلاد لا تخفى، وأن كلام أهل العلم سار تثرًا يتابع بعضه بعضًا، فأي شيء يبقى؟! لهذا وجب علينا أن نكون متبرئين ممن يعارض الله ورسوله في تحقيق الأمن والأمان في دار الإسلام، ومن كان في قلبه شيء من خلاف ذلك فليحذر أن يموت وفي قلبه هذه المعارضة، فيكون من جملة الذين أخبر النبي ﷺ عنهم بقوله: «إِنِّي فَرَطْكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي فَيْقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي».
إن التبرؤ من هذه الفعلة وممن فعلها واعتقاد جُرمه فرض من الفرائض، لا يُعْذَر مَن تركه أو مَن أَبقى في قلبه شيئًا من التردد في تقبيح ذلك وفي اعتقاد محاربته الله ولرسوله.
وإذا اجتمع هذا وجب على المؤمنين أن يكونوا يدا واحدةً مع ولاة أمرهم؛ حتى يتحقق أمن الله الذي وعد به المؤمنين الذين يحققون الإيمان، وإنه لن يتم ذلك إلا عندما نكون يدا واحدة، فالشريعة ظاهرة، ودارنا دار إسلام، والشريعة محكمة مهما عاب المُعَيِّبون، ومهما تردد الضالون، ومهما شكك المشككون، فالحق ظاهر، والتردد الذي يكون في بعض الأنفس ليس مَرَدُّه إلى خفاء الحق، وإنما مرده إلى فتنة علقت ببعض القلوب. والنبي ﷺ بين لنا أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، هذه شهادة المصطفى ﷺ، قال: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ». قال: هِيَ الْجَمَاعَة. وفي لفظ قال ﷺ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي».
وإذا تأملت حال صحابة رسول الله ﷺ، وحال المتابعين لهم من سلف الأمة، وحال أئمة الإسلام؛ وجدتهم قد دوّنوا في عقائدهم ورسخوا الحق وبينوه حتى صار المخالف لهم ضالا بإجماع أهل السنة؛ لأن من لم يكن مع أهل السنة فهو مع أهل البدع والضلالة، وهو إذن مع أهل الفرق الضالة التي قال فيها ﷺ: «كُلَّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً».
أيها المؤمنون، واجب علينا أن نكون مناصرين الله ولرسوله ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢]، وأنصار الله هم الذين يُناصِرون عقيدة الإسلام الصحيحة، ويناصرون عقيدة الإسلام التي أقرها أئمة سَلَف هذه الأمة، وبيَّنوها، أنصار الله هم الذين يُضَادُّون الذين يحاربون الله ورسوله، ويَسْعَوْنَ في الأرض فسادًا، ومن لم يكن على ذلك فليس من أنصار الله؛ إذ نصر الله نصر لشريعته بجملتها، ونصر لأحكام الله، ونصر للمقاصد العظيمة لشريعة الإسلام؛ ومن مقاصد الشريعة العظيمة أن يتحقق الأمن والأمان للناس في دار الإسلام، فيظهر بذلك حُسْن الإسلام وحسن مجتمع الإسلام وأثر تطبيق الشريعة وتحقيق التوحيد في الأمن والأمان.
إن المنافقين والمجرمين الذين يسعون في محاربة الله ورسوله وفي الإفساد في الأرض هم في الحقيقة أعدى أعداء الشريعة؛ لأنهم يريدون بفعلهم أن يُظْهِرُوا الإسلام ودار الإسلام في صورة ليست على ما ينبغي من الأمن والأمان، فيُشَكَّك بعدئذٍ في ولاية المسلمين ويشكك في حُسن الشريعة ويشكك في حُسن العقيدة ويشكك في أثر ذلك على الأنفس.
أسأل الله ﷻ بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يَدْحَرَ المجرمين أينما كانوا.. اللهم من أرادنا وأراد ولاة أمرنا وعلماءنا وسائر المسلمين من إخواننا بسوء اللهم فاجعل كيده في نحره..
اللهم حقق به وعدك الذي قلتَ ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا﴾ [المائدة: ٣٣].
اللهمَّ افْضَحْهُم يا كريم، اللهم أسرع بإدراكهم فإنك على كل شيءٍ قدير.. اللهمَّ نَتَبَرَّأُ مِن كُلِّ معارض لحكم الله وحكم رسوله ممن يسعون في الأرض بالفساد..
اللهم إنا نبرأ إليك منهم ونَدْرَأُ بك في نُحورهم، فأنت ولينا، لا حول لنا ولا قوة إلا بك..
اللهم واجعلنا مع ولاة أمورنا من المتعاونين على البر والتقوى ومن المحققين لمقاصد الشريعة الغراء يا أكرم الأكرمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
وهذه خطبة بليغة مكتوبة بعنوان: حفظ اللسان والجوارح
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد… فإِنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور مُحْدَثَاتها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم تقوى الله؛ فإن بالتقوى فَخَارَكم ورِفْعَتكم عند مولاكم، فاتقوا الله حق تقاته وعظموه في السر والعلن، وابتغوا إليه الوسيلة، واطلبوا حاجاتكم منه ﷻ، فتلكم هي حقيقة التقوى.
أيها المؤمنون، صلوا على نبيكم الكريم؛ إذ أمركم الله ﷻ بذلك فقال ﷻ قولاً كريما: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب].
وهنا أيضًا؛ خطبة قصيرة ليوم الجمعة.. في رحاب قول الله ﷻ ﴿ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾
الدُّعـاء
- اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، وعلى الصحب أجمعين، اللهم وارضَ عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أئمة الهدى والدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل ومن تبعهم بإحسان، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل هذا البلد آمناً مطمئنا، اللهم اجعلنا في أمن وأمان وسلامة وإسلام يا أكرم الأكرمين، اللهم آمِنًا في دورنا، ووفّق ولاة أُمُورنا، اللهمَّ دُلَّهم عَلَى الرَّشاد واجعلنا وإياهم من أهل الهدى والسداد يا أكرم الأكرمين.
- اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر الهدى وأهله في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون لتحقيق توحيدك وإقرار سنة نبيك، يا أكرم الأكرمين.
- اللهم نسألك أن ترفع عنا الربا والزنا وأسبابهما، وأن تَدْفَعَ عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن، اللهم ادفع عنا الفتن، اللهم ادفع عنا أنواع ما يُخِل بالأمن بأنواعه، يا أكرم الأكرمين.
- اللهم اجعلنا آمنين في عقيدتنا وتوحيدنا وشريعتنا، آمنين على أنفسنا، آمنين على أعراضنا، آمنين على نسلنا، آمنين على عقولنا، يا أرحم الراحمين.
- اللهم اجعلنا من المتعاونين على تحقيق ما تحب وترضى يا أرحم الراحمين.
عباد الرحمن، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل]، فاذكروا الله العظيم الجليل يَذْكُرْكُم، واشكروه على النعم يَزِدْكُم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت].
وأقِـم الصَّـلاة..
انتهينا هاهُنا يا إخواني، لكنها ليست النهاية بالطَّبع، فما قدَّمناه في صفحتنا هذه كانت واحدة من أجمل الخطب المنبرية المكتوبة —على حَدّ تعبيري ووصفي الشَّخصي— بعنوان: حرمة دماء أهل الذمة والمستأمنين. وإن كان لي حق الاقتراح الأخير —في هذه الصَّفحة— فسيكون خطبة عن معاملة غير المسلمين. سائِلا الله الحليم الكريم ﷻ أن ينفعنا وإياكم بكل هذه المادة العلمية والفقهية والوعظية.. اللهم آميـن.