هو الإمام أبو حنيفة: النعمان بن ثابت التيمي بالولاء الكوفي. ويعتبر أول من حفظ الشريعة بالتلقين، وكان على يده انتشار السنة، وأحد الأئمة الأربعة، وأشهر أعلام الإسلام في القرن الثاني الهجري، ولد بالأنبار بالكوفة (العراق) سنة ثمانين للهجرة التي توافق سنة 699 ميلادية، وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة 150 هجرية، التي توافق 767 ميلادية عن سبعين عاما.
وقد نشأ الإمام أبو حنيفة بالكوفة، وعاش أكثر حياته فيها، ولقد اتجه في أول حياته إلى حفظ القرآن الكريم، وكان بعد حفظه حريصا على ألا ينساه، حتى أنه كان يختم القرآن مرات كثيرة في شهر رمضان، وتلقي القراءة عن الإمام عاصم، أحد القراء السبعة، وبعد أن حفظ القرآن الكريم، اطلع على السنن التي يصحح بها دينه.
كما تفوق في علوم النظر والقياس وإصابة الرأي، أما العلوم الشرعية والعربية، كما يقول الدكتور على جمعة محمد – فكان في كل هذا بحرا لا يجاري، وإماما لا يماري.
وأما الفقه، فقد ذكر الإمام الشافعي: إن الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه.
وأما الحديث، فقد قال عنه الإمام أبو يوسف: ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحديث من أبي حنيفة، لأنه كان بصيرا بعلل الحديث، وبالتعديل والتجريح.
ومع كل ذلك، فإن أبا حنيفة لم يؤلف كتبا، إلا ما ينسب إليه من بعض الرسائل، ولكنه كان يناقش تلاميذه آراءه التي أملاها عليهم، وبعض مصنفات تلاميذه هي من الأصول المعتمدة للمذهب الحنفي، خاصة كتاب اختلاف أبي حنيفة، وابن أبي ليلي والرد على سير الأوزاعي لأبي يوسف، والحجج، وشرح موطأ مالك لمحمد بن الحسن الشيباني.
أما عنه، وعن التفكير الفقهي المعاصر في الكوفة بصفة عامة، فإن أبا حنيفة كان له فيما يظهر، شأن الواضع لأسس النظرية التي حققت تقدما كبيرا في الفقه الاصطلاحي، وبعده عن القضاء جعله أقل تقيدا من ابن أبي ليلي بمقتضيات التطبيق، كما كان في الوقت نفسه أقل تثبتا لبعده عن الاسترشاد بما يفيده من يمارس القضاء.
ومذهب أبي حنيفة بصفة عامة، مذهب متكامل متسق من حيث منهجه، وفيه الكثير من الأفكار الفقهية الجديدة الصريحة، ولا يتميز فكره الفقهي بأنه كان أوسع أفقا في أساسه من فكر معاصريه الأكبر منه سنا، وأكثر أخذا به من فكرهم فحسب، بل كان أيضا أرقي اصطلاحا في أحكامه، وتحوطه، ولطف نظرته.
وإن الطابع الغالب على الفكر الفقهي بصفة عامة عند أبي حنيفة هو الإمعان في النظر والتعقل، مما يجعل هذا التفكير يشوبه في كثير من الأحيان شيء من الأناة والتأرجح مع قلة عناية بالتطبيق.
وقد اعتمد أبو حنيفة على الرأي والقياس، ولم يجاوز في ذلك الحد المألوف عند مدارس الفقه الأخرى في زمانه.
وقد رسم الإمام أبو حنيفة منهاجا للاستنباط، جامعا لأنواع الاجتهاد، فقد روي عنه أنه قال: آخذ بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، أخذت بقول أصحابه، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم.
وهذا يؤكد أنه لا يخرج في مذهبه عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
وعلى هذا يكون المنهج الذي رسمه أبو حنيفة لنفسه يقوم على سبعة أصول:
- القرآن الكريم، وهو أساس الشريعة، ومصدر التشريع.
- السنة، وهي المفسرة لكتاب الله، والمفصلة لمجمله.
- أقوال الصحابة رضي الله عنهم، لأنهم الذين بلغوا الرسالة، والذين عايشوا التنزيل والوحي، ويعرفون المناسبات المختلفة للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.
- القياس، فهو يأخذ به، إذا لم يكن هناك نص من قرآن، أو سنة، أو قول صحابي.
- الاستحسان، وهو أن يخرج من مقتضي القياس الظاهر، إلى حكم آخر يخالفه.
- الإجماع، وهو في حد ذاته حجة، كما اتفق عليه العلماء.
- العرف، وهو أن يكون عمل المسلمين على أمر لم يرد فيه نص من القرآن، أو سنة، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم، على أن يكون عرفا صحيحا، وهو الذي لا يخالف نصا أيضا.
كتبه: د. عبد الرحمن بدوي — باحث إسلامي.