الإمام الأعظم، عالم الأمة، إمام الأئمة الفقهاء وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي.
ولد بالكوفة سنة 80 من الهجرة النبوية، الموافقة لسنة 699 من الميلاد، على رواية الأكثرين التي يكاد يجمع عليها المؤرخون، ونشأ فيها، وحفظ القرآن الكريم في صغره، وحين بلغ السادسة عشرة من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزيارة مسجد النبي ﷺ، ثم اشتغل بالتجارة، فأبوه وجده كانا تاجرين، ولما كانت الكوفة غنية بالعلم والعلماء، وينتشر فيها العلماء أصحاب المذاهب المختلفة؛ انصرف إلى طلب العلم، فصار يحضر حلقاتهم، واتجه إلى دراسة الفقه ولزم شيخه حماد بن أبي سليمان يتعلم منه الفقه، لازمه ثماني عشرة سنة حتى مات حماد سنة 120هـ، فتولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة وهو في سن الأربعين.
أخذ يدارس الإمام أبو حنيفة تلاميذه ما يُعرض له من فتاوى وابتكر نموذجا في إدارة الأمور الفقهية، وذلك عن طريق عرض المسألة الفقهية على تلاميذه العلماء في حلقة الدرس ليدلي كل برأيه، ثم يعقب هو على آرائهم، ويؤيده بما عنده من أدلة، فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة كان من الصعب نقدها، حتى وضع تلك الطريقة الفقهية التي اشتق منها المذهب الحنفي.
يُسمى المذهب الحنفي مذهب أهل الرأي، وهو أقدم المذاهب الأربعة، ولقد بلغ عدد شيوخ أبي حنيفة أربعة آلاف شيخ فيهم سبعة من الصحابة وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم فقد عاش (رحمة الله) سبعين عامًا، وقد نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة، ثم شاع من بعد ذلك وانتشر في أكثر البقاع الإسلامية.
كان الإمام أبو حنيفة حسن الهيئة، كثير التعطر طويل اللحية، وقورًا، يتأنق في ثوبه وعمامته ونعليه حسن المنطق، حلو النغمة فصيحا، وهناك خلاف في تحديد انتمائه العرقي، حيث توجد روايات متعددة، والصحيح القول أنه من أصل نبطي بابلي عراقي قديم، وهو ما أثبتته عدد من الدراسات الأكاديمية التاريخية.
ويعد أبو حنيفة من التابعين، فقد لقي عددا من الصحابة منهم أنس بن مالك (رحمه الله)، وكان معروفًا بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية، وكان يعتمد في فقهه على ستة مصادر هي: القرآن الكريم والسنة النبوية، والإجماع والقياس، والاستحسان والعرف والعادة. واشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: “النَّاسُ فِي الفِقْهِ عِبَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ”.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: “إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد”.
وقال الإمام الشافعي: “سئل الإمام مالك ابن أنس: هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟”، فقال: “نعم، رأيت رجلا لو نظر إلى هذه السارية وهي من حجارة، فقال: إنها من ذهب لقام بحجته”.
عاش أبو حنيفة 52 سنة من حياته في العصر الأموي، و 18 سنة في العصر العباسي، فقد أدرك دولتين من دول الإسلام، وتوفي ببغداد سنة 150هـ – 767م، ودفن في مقبرة الخيزران، يقول ابن كثير: وصلّي عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، ولقد قُدّر عدد من صلوا عليه بخمسين ألفا، حتى لقد صلى الخليفة أبو جعفر المنصور نفسه على قبره بعد دفنه.