اثنان في دنيا الحرب والحب ليس لهما نظير: بشر بن عوانة العبدي أحد شعراء الجاهلية.. ورومل: ثعلب الصحراء.
فكان بشر العبدي يركب حصانه ويشهر سيفه وفجأة يظهر له من بين الصخور أسد.. ويتهجم على الأسد ويضربه ويقتله ويتمني لو كانت فاطمة هناك لتري شجاعة وبسالة وتضحية بشر من أجل نظرة من عيني المحبوبة.
ويقول بشر العبدي:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت
وقد لاقي الهزبر أخاك..
وبعض أبطال الحرب، صرعي الغرام.. فأبطال الحرب ليسوا دائما أبطال الحب.. ان القائد العسكري ليخوض في الجثث والدماء، وينفض عن أذنيه صراخ الجنود وزئير الأسود، وصهيل الخيول، وزمجزة المدافع ثم ينام نوما عميقا ولكن عندما تموء هرة المحبوبة، فإنه لا ينام، يتقلب على بساط من الشوك.. أليست قطة ضعيفة لامست يدي المحبوبة وتمرغت في أحضانها.. فهي – اذن – أروع مخلوقات الله – هذه العبارة منسوبة للإسكندر الاكبر…
وبعض ابطال الحرب عندهم براعة في تكتيك الغرام، ولكنهم ضحايا الاستراتيجية.. أي قادرون على الحب السريع.. فاشلون في الزواج الطويل.. مثلا لورد نلسون (1758 -1805) بطل الحرب ومعبود الجنود والجماهير. قطعت ذراعه اليمني في معركة جزر الكناري،وأصاب الفرنسيون رأسه في معركة أبي قير، ثم قتلوه في معركة الأطرف الأغر..
تزوج أرملة إنجليزية كانت تعيش في أندونيسيا.. ثم أرسل إلى نابلي بإيطاليا ليجمع قوات ضد الفرنسيين.. وفي نابلي التقي بالليدي هاميلتون (33 سنة) زوجة السفير البريطاني.. دخلت أعماقه من أول لحظة جميلة ذكية.. العينان رماديتان والشعر كستنائي.. وكانت أجمل نساء زمانها.
وعندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، طلبت من أحد الضباط ان يطلق سراح جندي قريب لها.. وفعل.. وقدمت نفسها ثمنا لذلك. وعرفت كم يساوي جمالها.. وعرضت نفسها موديلا لعدد كبير من رسامي ذلك العصر… ثم تسللت إلى فراش لورد هاملتون وتزوجته.
وانشغل هوراشيو نلسون بهذه السيدة الجميلة، رغم انه كان غارقا في الخمر والنساء. وبعد خمس سنوات عاد إلى نابلي وكان قد أصبح أسطورة أوروبا كلها.
اكثر نحافة.. أعرج.. وقد تحطمت أسنانه ثم هو يسعل كثيرا.. ولم تكد تراه أيما هاملتون حتى صرخت: لا أصدق… دعني أصدق ذلك!!
والقت بنفسها عليه…
وكانت اذا انفردت به قدمت له الخمر يشربها من كفيها… ثم ترقص له على نار هادئة.. وحملت منه وانجبت فتاة أطلقت عليها اسم هوارشيا تيمنا باسمه.. ولم تعد سرا هذه العلاقة.. حتى ان الملك جورج الثالث عندما قابله راح يهمز ويلمز.. ولكن نلسون كان اكثر من كل ذلك. فهذه حياته. وهو حر.
وعندما مرض اللورد هاملتون جلس نلسون وعشيقته إلى جواره حتى مات سنة 1803.
وقبل استدعائه لمعركة الطرف الأغر جنوبي أسبانيا، كان نلسون يشعر أن هذه آخر معاركه. وانه لن يعود. وفي المعركة ظهر على سطح السفينة بكل نياشينه العسكرية، وحاول مساعدوه ان يمنعوه.. ولكنه رفض.. والفرنسيون الذين أطلقوا عليه النار، سددوها إلى النياشين… ثم كرمه الشعب الانجليزي وكرم زوجته أيضا.. أما عشيقته فقد استبعدوها تماما. وكان عليها ان تواجه الدنيا وحدها. عاشت للخمر، ودخلت السجن وفاء لديونها، وماتت نصف مجنونة سنة 1815 عن 54 عاما!!
أما عبقري الحروب الحديثة نابليون (1769-1821) وأول أباطرة فرنسا، ومؤسس الدولة الفرنسية الحديثة وراعي اصلاحها القانوني والاقتصادي والإداري، فله عشرات القصص… بعضها يرويها على سبيل الفخر والقرف.. وبقية القصص ترويها الفتيات والسيدات.. وآخر غراميات نابليون كانت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، ابنة حارس جزيرة سانت هيلانه التي نفي إليها ومات بها.
وفي الثلاثين من عمره كان نابليون سيد فرنسا.. وأقام حكومة عسكرية مطلقة، يحميها الدستور.. وهزمه الروس في معركة ليبسيج سنة 1813، واستسلم.. ثم هرب من جزيرة إليا، ليحكم فرنسا مائة يوم، حاول ان يسترد عرشه وشعبه، ولكنه فشل.
وكانت آخر معاركة هي معركة ووترلو سنة 1815، عندما هزمه ولنجتون القائد الانجليزي. وقد تزوج نابليون مرتين. وكان هذا البطل العظيم خجولا. وأول غرامياته كانت مع سيدات يكبرنه في السن.
حاول ان يتزوج منهن، فرفضن.. فقد وجدنه صغيرا جدا!!
وفي سنة1796 تزوج عشيقة أحد أصدقائه.. غنية وقادرة على حمايته اجتماعيا وأحبها.. وفوجئ نابليون وهو إلى جوارها في شهر العسل ان هاجمه كلبها وعقره في عنقه.. وعضب نابليون.. فلم يكن يعرف ان له شريكا من الكلاب!! وعرف بعد ذلك ان الكلب ليس إلا واحدا من عشاق كثيربن!!
ورافقته إلى مصر عشيقة تنكرت في ملابس الضباط وكانوا يسمونها الجنرالة أو سيدة الشرق وكانت تسكن في بيت مجاور لمقر القيادة العسكرية بالقاهرة، اسمها بولين مورنس (20 سنة).. وكانت ترتدي قبعة من الريش الذهبي وبنطلونات سوداء محزقة جدا. وكانت اذا غضبت منه ارتدت فستانا.. واذا رضيت عنه ارتدت زيا عسكريا في الفراش.. وقد أسر الانجليز سفينة كانت هذه الجنرالة على ظهرها.. فأعادوها إلى مصر.. إمعانا في السخرية من نابليون!
ثم التقي بفتاة بولندية اسمها ماريا فالفسكا.. قدمها البولنديون للقائد البطل، كما كان المصريون القدماء يلقون بعروس إلى النيل، طمعا في أن يفيض بالماء والخيرات. وقد بهره جمالها وذكاؤها واخلاصها له. وكتب لها وكتبت خطابات من نار، في منفاه..
وطلق نابليون زوجته الأولي، فهي لم تنجب له أحدا واختار زوجة نمساوية بعد أن تأكد أنها من أسرة أنجبت الكثير من الأولاد.. فكان مثل أي فلاح يريد أن يشتري بقرة أو جاموسة.
وكان يتولي بنفسه البحث عن شجرة العائلة وعرف عدد البنين والبنات في الخمسين عاما الماضية.. وأنجبت له ولدا سنة 1810.
وكان نابليون العظيم يميل إلى الشباب الوسيم – يداعب شعورهم وآذانهم وأفواههم.. ويدخل يده في صدورهم.. ولذلك كان كل مساعديه من أجمل رجال الجيش الفرنسي.
وفي المكتبة الأهلية بباريس خطابات غرامية بعث بها نابليون إلى جنوده وضباطه..
يقول نابليون: تمنيت أن أشنق الشعراء جميعا فهم يتكلمون كثيرا عن الحب.. وهذا ترف لا يقدر عليه جندي مثلي.. لولا أنني أحترم الفن وعبقرية الانسان..
ويقول: في الحرب أعرف بالضبط ما الذي سوف أعمله… في الحب لا أعرف شيئا!
ويقول: لو تفرغت للحب كما تفرغت للحرب.. ما أبقيت امرأة في حضن زوجها!!
ثم يقول: الحرب.. البحر.. الحب.. وأقرب الأصدقاء: لا أمان لهم!
دوق ولنجتون (1796-1852) ولد في نفس السنة التي ولد فيها نابليون الذي انتصر عليه في معركة ووترلو..
وهو أيرلندي الأصل.وشخصيته غير جذابة.. جاف خشن. قرر أن يكون جنديا وهو اذا تكلم فكأنه مدفع رشاش كلماته تخرج بسرعة وعباراته ناقصة..
تزوج الفتاة التي رفضته. فقد كان ضابطا صغيرا عندما تقدم لها وكانت هي من أسرة نبيلة، قالت له الأسرة: لا تستطيع ان تفتح بيتا.. مرتبك لا يكفي لشراء خشب للموقد وكان رده: سوف تتغير الظروف، ولكن سيظل قلبي عاشقا لها.
وعندما تدرج في العسكرية وأصبح لامعا، بعثث إليه الأسرة تقول: الآن يمكنك أن تتزوج ابنتنا!! وتزوجها.. وأنجب ولدين..
وأبعدته الحرب عنها.. حتى جاءت معركة ووترلو.. والنصر على نابليون، وأحب ممثله فرنسية، وكانت هذه الحسناء الصغيرة تقول: لقد كنت عشيقة نابليون وولنجتون.. ثم تهز كتفها قائلة: وكان ولنجتون أفضل!!
وفجأة ظهرت مذكرات امرأة لعوب اسمها هارييت تروي غرامياتها مع المشاهير وتهدد عشرات آخرين بأنهم ان لم يدفعوا مائة جنيه، فسوف تفضحهم… كثيرون بادروا ودفعوا – إلا ولينجتون قائلا: كثيرات سوف يفعلن ذلك.. تشرفا بهذه العلاقة أو ادعاء لها!!
وكان يعيب على زوجته أنها اكتفت به.. فهي لا تبذل مجهودا في حمايته من الأخريات..
وكان يقول: انها تحتاج إلى جهد مضاعف.. ولكن قدرها أن تتزوج رجلا مشهورا تدور الكواكب من حوله ليلا ونهارا. ثم إنه بشر!!
ويعيب على زوجته أنها اذا ركبت عربة إلى جواره راحت تقرأ في الكتب متجاهلة الجماهير على الجانبين!! ولكن عرفنا فيما بعد أن زوجته لم تكن تفعل ذلك تعاليا، وإنما لأنها مصابة بقصر النظر. فقد كانت لا تقوي على تمييز وجوه الناس. وكانت تخشي ان تصادف أحدا تعرفه.. ثم لا تحييه فيغضب!!
وهذا الضعف في النظر هو الذي يجعل كثيرا من الناس يلجأون إلى حيلة معروفة: فهم دائمو الابتسام.. ويكون ابتسامهم نوعا من الترحيب العام لمن يعرفون ولمن لا يعرفون لمن يكرهون ولمن يحبون!!
وفي يوم تلقي ولنجتون نسخة من الكتاب المقدس من إحدي الراهبات ذهب إليها يشكرها.. جميلة مثيرة.. حاول معها فاشترطت ان يطلق زوجته فرفض.. وظلت على هذا الحب 17 عاما حتى مات وحاولت كثيرات بعد وفاة زوجته..
وقد اعترف ولنجتون في أواخر أيامه: ولا امرأة واحدة قد أحبتني.. ولا واحدة.. لقد قلن كثيرا جدا.. ولكني لم أصدق شيئا من كل ذلك!
بقلم: أنيس منصور