إن الموهوب هو الشخص الذي وهبه الله شيئًا يتميز به بين غيره من الأشخاص، شيئًا جميلًا يساهم في خلق الإبداع والجمال، شيئًا ينشأ في داخله من الصغر، وينمو مع مرور الوقت، وينمو شغف الموهوب به.
إن الشخص الموهوب رزقه الله فضلًا من عنده شيئًا جميلًا لابد أن يستغله في الخير، ويدفع نفسه به عن الشر، ويخرج فيه طاقات جسده وعقله، أيًا كانت الموهبة التي يملكها فإنها كفيلة أن تجعل حياته جميلة، يعمها الرخاء، والتوازن، والخير، والجمال.
إن المواهب مختلفة ومتعددة، وكل يوم نكتشف في شخص موهبة جديدة لم نكن نعرفها، لكن هذا لا يمنع أن هناك مجموعة من المواهب التي يجب أن ننميها في اصحابها، ومن تلك المواهب الجليلة:
موهبة الرسم التي تعتمد على الخيال الخصب والجميل من الرسام، وداخله الصافي، والطاقة الكبيرة والقوة الروحية في نفسه، وموهبة الكتابة والتأليف التي تتطلب خيالًا خصبًا، وقدرة كبيرة على البحث وتوظيف العلوم من أجل كتابتها بشكل مبسط ونافع للناس، ولكي تكون الكتابة هادفة يجب أن يتسم المؤلف بالجمال الداخلي، والخوف من الله.
وهناك مواهب أخرى اعطاها الله لأشخاص معينين، وميزهم بها عن غيرهم، من تلك المواهب: الذكاء الكبير الذي يعطيه الله لأحد الأطفال، فيكون قادرًا على حل أكثر المسائل الرياضية تعقيدًا في دقائق، وبطرق بسيطة جدصا لا يتخيلها عقل الإنسان.
والمواهب التي تعتمد على القوّة الجسمانية، وتلك المواهب تعتمد في المقام الأول على تنميتها، لأن بدايتها يكون مجرد شغف، ومن هذه المواهب: الرياضيات بمختلف أنواعها: ككرة القدم، أو كرة السلة أو غيرها، وألعاب القوى، والسباحة، كلها من المواهب التي تعتمد في المقام الأول على التنمية من مجرد شغف يؤرق صاحبه إلى موهبة كبيرة تحرز أسمى النجاحات والبطولات.
وهناك مواهب أخرى في التمثيل والغناء والإنشاد الديني أو قراءة القرآن، وإذا عددنا المواهب لن نستطيع، إذ أن المواهب كثيرة، وتختلف من شخص إلى آخر، وهناك موهوبون بمواهب جديدة لم نعرفها على وشك الخروج إلى العالم المعاصر.
الموهوب والمجتمع
إن الموهوب بشكل أو بآخر يكون واجهة المجتمع أمام العالم كله، فالحضارات لن تتواجه بالمال الكثير، أو البناءات الضخمة التي ترتفع في السماء، أو التكنولوجيا المتطورة التي تضر أكثر ما تنفع، أو أي شيء من مظاهر الترف التي تدفع على الخمول والكسل.
إنما المجتمع الحضاري يعرف بالموهوبين فيه، القادرين على خلق الإبداع، والتنافس الشريف فيما بينهم، والتعلم بالجد والمثابرة، والتواجه في النهاية، ليعلم العالم كله من الفائز الذي استطاع أن يستثمر موهبته ويعمل عليها، ومن الخاسر الذي لم يعمل على موهبته بالذكاء والجهد المطلوبين.
هنا تحديدًا تكمن أهمية الموهوب في المجتمع؛ فالرسام القادر على رسم أبدع الصور وعرضها أمام العالم كله، سيحفر اسمه في التاريخ واسم مجتمعه الذي نشأ فيه وعمل على تنميته وتطويره.
والكاتب الذي يبسط أهم العلوم التي يحتاجها الإنسان، ويقتدي بعلومه كل شخص في العالم كله ممن يريدون أن يكونوا في مقام كمقامه، هو واجهة للمجتمع الذي فيه، وحين ينال جوائز عديدة قيمة على إبداعه سيحفر اسمه في التاريخ واسم مجتمعه.
والممثل والمغني من خلال تقديمهم الصورة الفنية الهادفة في تمثيلهم أو في غنائهم فإنهم يعكسون صورة تفكير مجتمعهم الواقعية وما يعيش عليه الناس، وما يفكرون فيه، فيقبل عليهم العالم كله بالثناء والاحترام.
تلك هي أهمية الموهوب في المجتمع، إذ أنه عند مواجهة الحضارات، فإن ما سيحدد المظهر الحضاري من غيره، هو العقلية التي يتمتع بها الناس، وقدرة الموهوبين على خلق نجاحاتهم بمثابرة وعزيمة وإرادة.
الفن الهادف والفن الهابط
قبل أن ندلف إلى دور الدولة في تنمية الموهوبين علينا أن نحدد أنواع الفنون المتاحة أمام الإنسان، وتلك هي الفنون التي تُعرض علينا في العصر الحالي.
إنه للأسف أغلب ما نشاهده الآن هو الفن الهابط، سواء في التمثيل أو في الغناء أو في الكتابة أو في الرسم، وهو نابع عن تقليد أعمى للغرب، ولا ينبع أبدًا من العقلية الإبداعية، لأنه لو تفكر العقل في خلق شيء إبداعي لابتعد بالتأكيد عن التقليد الذي لا يليق بحضارته ومبادئه، ويبتعد عن مسمى الفن الهابط.
أما الفن الهادف، هو ما أصبح معدومًا في زمننا هذا ونراه صدفة، لكنه هو ما يجب أن نتمسك به ونحافظ عليه ونعمل على تنميته، والعمل على تنمية الموهوبين بهذا الفن الهادف، لأنهم القادرون على التعبير عن عقلية مجتمعنا وما يلتزم به من المبادئ الجليلة العظيمة، القائمة على التعاليم السامية، والأخلاق الفاضلة، والأفكار الإبداعية الهادفة.
وكما ذكرت آنفًا فإن المجتمع لا يعرف بالتقدم التكنولوجي او المعماري أو تطور مظاهر الترف التي تضر أكثر ما تنفع، إنما يعرف بعقلية الإنسان، وأخلاقه، ومواهبه القادر على تطويرها.
دور الدولة في تنمية الموهوبين
إن تنمية الموهوبين ورعايتهم يقع في المقام الأول على عاتق الدولة ومسئوليها؛ إذ أن الدولة يجب أن تلتزم الفن الهادف، والمواهب الهادفة، التي تسعى إلى خلق صورة حضارية للمجتمع أمام العالم كله، صورة تقوم على المبادئ والإبداع، وليس على التقليد الأعمى من أجل جني الكثير من الأموال التي لا تنفع.
على الدولة أن تبذل جهودها في تنمية المواهب التي تصلح أن تكون قدوة لغيرها من الشباب والأطفال، تكون قدوة صالحة تنمي فيهم الخير، والإبداع، وتبعدهم عن السفاهة والانحدار والفن الهابط.
وأول ما يقع على عاتق الدولة تجاه الموهوبين، هو الدعم المعنوي؛ إذ في الوقت الحالي نرى الموهوبين مطمورين في خنادق لا نعلم عنها شيء، ولا يظهر لنا إلا أصحاب الفن الهابط ممن يدعون الموهبة، فكلما عملنا على دعم الفن الهابط، اختفت المواهب الحقيقية من المجتمع وواراها الثرى.
والدعم المعنوي لا يكون إلا باحترام تلك المواهب والعمل على تشجيعهم من أجل إخراجها، دون انتظار عائد مادي من ورائهم، المهم في المقام الأول أن يحسنوا صورة الدولة والمجتمع وما يتمتع به الناس من عقلية إبداعية.
ثم يأتي بعد ذلك الدعم المادي، إذ يجب على الدولة أن توفر الدعم المادي لهؤلاء الموهوبين حتى يتمكنوا من تنمية موهبتهم، وإحراز بها أهم النجاحات والبطولات على مستوى العالم كله.
والدعم المادي في المقام الأول يقوم على النشاطات التي تساعد الشباب والأطفال في استخراج مواهبهم، واكتشاف مواطن شغفهم حتى يؤهلوا أنفسهم لتنميتها، وعلى الدولة تسهيل تلك الأمور، بتوفير لهم الدورات المناسبة، والنصائح التي تعتمد على خبرات الغير، فيخرج الموهوب عارفًا بموهبته وشغفه.
ثم بعد ذلك على الدولة أن تنظم النشاطات أو الأماكن التي يرتادها الموهوبون لتنمية مواهبهم، ويلاقوا اهتمامًا فيها وتشجيعًا يدفعهم إلى الأمام ويجعلهم قادرين على مبارزة العالم كله بمواهبهم والوصول إلى القمة التي يرنون إليها في أحلامهم وشغفهم.
إن هؤلاء الموهوبين مرآة المجتمع وصورته الكبيرة أمام العالم كله، ولابد من المجتمع أن يساهم في تطويرهم بكل الطرف، على الأفراد أن يبدون لهم الاحترام، ولا ينظرون إليهم نظرة المجانين، أو ينظرون إلى أحلامهم نظرة الاستحالة، وأن يدعموهم ماديًا إلى جانب الدعم المعنوي، حتى يتمكنوا من النجاح في نهاية المطاف وتحقيق أحلامهم، ويكونوا قدوة لغيرهم، ويرتقي بهم المجتمع.