خطبة: أطب مطعمك تستجب دعوتك – مكتوبة

خطبة: أطب مطعمك تستجب دعوتك - مكتوبة

الخطبة الأولى

إن الحمدَ لله…

عباد الله… لقد أمر الله ﷻ الناسَ أن يأكلوا الحلال الطيب، فالحلال ما أحله الشرع طيباً، والطيب ما يستطاب ويستلذ مما أحله الله ﷻ. ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان. يقول الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ البقرة : 168. ويقول الله ﷻ: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ المائدة: 88. ويقول الله ﷻ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ النحل: 114.

وأخبرنا النبي ﷺ أن الله ﷻ طيب لا يقبل إلاّ طيباً بقوله : (إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]) أخرجه مسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: (طَلَبُ الْحَلَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) رواه الطبراني.

إن الحلال هو ما أحله الله ﷻ من المأكل والملبس والمشرب. ومن رحمة الله ﷻ بعباده أنه جعل الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما ورد نصٌ في تحريمه، كالميتة، والخنزير، أو ما ثبت ضرره الجسمي أو العقلي. يقول الله ﷻ: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ سورة الاعراف: 157. ولقول النبي ﷺ : (لا ضررَ ولا ضِرارَ) أخرجه ابن ماجه.

والحق أن الطعام الحلال يصلح القلب والبدن. وصلاح القلب سبب من أسباب استجابة الدعاء. عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: (تليتُ هذه الآيةَ عندَ رسولِ اللهِ -ﷺ-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}، فقامَ سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ -رضي الله عنه- فقال: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ أنْ يجعلَني مُستجابَ الدَّعوة، فقال: «يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه الطبراني.

فاحرصوا أيها المؤمنون على الطعام الحلال أكلاً وكسباً. وحذارِ من أكل الحرام الذي يؤدي بكم إلى الخذلان، ويفسد القلب والبدن، ويكون سبباً من أسباب حرمانكم من كثير من المنح الإلهية والأعطيات الربانية. فقد ذكر النبي ﷺ، أن من أسباب منع استجابة الدعاء أكل الحرام. فقد ورد في الحديث عن النبي ﷺ أن: (…. الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!) أخرجه مسلم. وقال عمر رضي الله عنه: «كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام».

وقد يكون أكل الحرام سبباً من أسباب منع المطر، وسعة الرزق، وتأخير نصر الأمة على أعدائها. ولذلك كانت الزوجة الصالحة توصي زوجها حين يخرج للكسب قائلة له: اتق الله فينا ولا تطعمنا حراماً، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار. يقول النبي ﷺ: (… إنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا على سُحتٍ النَّارُ أَوْلى به… ) أخرجه ابن حبان في صحيحه. ومَثَلُ الذي ينفق على أولاده كمثل الذي يَسقي زرعَه، فمن سقى زرعَه ماءً عذباً أعطاه الله ﷻ ثمراً طيباً، ومن سقى الزرعَ ماءً آسناً ساء ثمرُه، وفَسَدَ زرْعُه.

وهكذا، فمن أطعم أولاده الحلال فقد أحسن تربيتهم وسما أدبهم، ومن أطعمهم الحرام أفسد نشأتهم وأساء منبتهم. ولئن كان للوالد الأجر الكبير في نفقته على عياله فإنه يضيع الأجر كله إن كانت نفقته حراماً.

فحريٌ بنا أن نتلمس طرق الحلال، ونربي أولادنا ونساءنا على ذلك. حتى يستجيب الله دعاءنا بالفرج والنصر.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.

واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173-174

والحمد لله ربّ العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top