الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإن من مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، وخير القربات التي يتقرب بها الكرام من ذوي الهمم العالية والعزائم القوية قربة إطعام الطعام، وهي باب من أبواب الصدقات ومن وسائل الإنفاق التي حضت عليها الشريعة الإسلامية وحث عليها خير البرية، وهنا سنتناول جوانب هذا الموضوع من حيث مشروعيته وفضله وما يدل على ذلك من الكتاب والسنة، وأهمية ذلك وثماره على الفرد والمجتمع.
مشروعية إطعام الطعام والحث عليه في الكتاب والسنة
إطعام الطعام وإنشاء الولائم ودعوة الناس إليها، في المناسبات أو على سبيل الصدقة أو غيرها من النوايا الطيبة المشروعة من الأمور التي كان يتصف بها العرب، فقد كان الكرم ديدنهم والعطاء وسخاء اليد سجية فيهم، وجاء الإسلام مؤكدا لتلك القيمة الطيبة التي تنطوي على كثير من المعاني الراقية، من حب الغير ومساعدته وتقديم العون له، وإدخال الفرحة على قلبه، وخاصة إن كان مسكينا أو سائلا أو محروما ممن لا يجد قوت يومه ولا يملك ما يسد جوعه.
ومن النصوص الدالة على ذلك من الكتاب قول الله عز جل: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا؛ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا؛ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا؛ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا؛ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)، وهنا بينت الآية أن إطعام الطعام من صفات الأبرار والكرام وأن جزاء هذا العمل الطيب دخول الجنة والتمتع بنعيمها المقيم.
ومن السنة النبوية ما يحض على مكرمة إطعام الطعام، ومنه قول النبي –صل الله عليه وسلم- حين جاءه أعرابي فسأله أن يدله على ما يدخله الجنة قائلا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: (أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ) فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ؛ قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآن).
وكذلك الحديث المعروف الذي يخبر فيه النبي أن من أسباب النجاة من النار الصدقة والإطعام حيث يقول: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
فضل مكرمة إطعام الطعام
إن إطعام الطعام له فضائل كثيرة، تجعل منه فضيلة طيبة وعمل محبب إلى الله عز وجل من تلك الفضائل ما يلي:
أن إطعام الطعام ذكر بالنص ضمن جملة أحب الأعمال إلى الله، حيث يقول عليه الصلاة وأذكى السلام: (أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا).
إطعام الطعام من سجايا الكرام وقد جعله النبي من أسباب وصف الناس بالخيرية، وذلك فيما ورد عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ).
أن الله يدخر لفاعل تلك الفضيلة الأجر والثواب، ويرزقه البركة في ماله وعياله وطعامه وشرابه.
إن إطعام الطعام من الأمور التي تورث المسلم حب الله وحب الناس، وتجعل النصر والعون من الله حليفه في معظم أمور الحياة ومما يدل على ذلك حديث خديجة –رضي الله عنها وأرضاها- حين أرادت أن تطمئن النبي وتشد أزره، فقد طمأنته وبشرته بنصر الله لأنه يفعل من المكارم ما يحبه الله وذكرت ضمن تلك المكارم أنه يقري الضيف، والمقصود به إطعام الطعام وإكرام الضيف.
إن إطعام الطعام من المنجيات من ويلات يوم القيامة، يوم المشهد العظيم ويوم لا ينفع مال ولا بنون، ويدل على ذلك ما جاء في كتاب الله عز وجل، حيث يبشر الله عباده الكرام الذين يطعمون الطعام بأنهم بمنأى عن أهوال ذلك اليوم وشدته فيقول جل وعلا: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).
وأخيرا أخي المسلم وأختي المسلمة اعلم أن من تمام إيمان المسلم أن يشعر بمعاناة غيره وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالجوع والاحتياج لضرورة من ضروريات الحياة وهي الطعام، وقد علمنا النبي –صلى الله عليه سلم: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ».